أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ حَاصِلُ دَعْوَى الْوَحْدَانِيَّةِ نَفْيَ الشَّرِيكِ وَحَاصِلُ دَعْوَى الْقِدَمِ نَفْيَ الْحُدُوثِ وَالْأَوَّلِيَّةِ، وَلِهَذَا نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَفْيِ آلِهَةٍ غَيْرِ اللَّهِ عَلَى الدَّلِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} الْآيَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَاذَا تَقُولُونَ فِيمَا إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى دَعْوَاهُ بَيِّنَةٌ، هَلْ يَلْزَمُ الْمُنْكِرِينَ لِنُبُوَّتِهِ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَا يَلْزَمُ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ أَوْ صَوْمِ شَوَّالٍ أَوِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ إِذَا أَنْكَرَ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ، هَلْ يَلْزَمُهُ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى مَا نَفَاهُ أَوْ لَا؟ إِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي مَعَ كَوْنِهِ نَافِيًا فِي قَضِيَّةٍ غَيْرِ ضَرُورِيَّةٍ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ مَحَلَّ النِّزَاعِ.
قُلْنَا: النَّفْيُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ لَمْ يَخْلُ عَنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى بِظُهُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ مَعَ عَدَمِ الْقَاطِعِ لَهُ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ، وَعَلَى وُجُوبِ صَوْمِ شَوَّالٍ وَشَغْلِ الذِّمَّةِ.
وَإِذَا قِيلَ: إِنِ النَّافِيَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، فَالدَّلِيلُ الْمُسَاعِدُ فِي ذَلِكَ إِمَّا نَصٌّ وَارِدٌ مِنَ الشَّارِعِ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ أَوْ إِجْمَاعٌ مِنَ الْأُمَّةِ، وَإِمَّا التَّمَسُّكُ بِاسْتِصْحَابِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، وَعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُغَيِّرِ الْقَاطِعِ، وَإِمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ.
وَهَلْ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى النَّفْيِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ (١) بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ قِيَاسِ الْعِلَّةِ وَالدَّلَالَةِ، وَالْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ.
(١) هَكَذَا فِي الْمَطْبُوعَةِ، وَعِبَارَةُ الْمَخْطُوطَةِ " اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا فَرْقَ. . . إِلَخْ، فَلْيُنْظَرْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute