للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَالًّا عَلَيْهِ بِوَضْعِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلُ تَخْصِيصُ لَفْظِهِ بِهِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ، لَا عَلَى غَيْرِ مَدْلُولَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَأْكُولِ عَلَى مَا سَبَقَ (١) .

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قَالَ: إِنْ أَكَلْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالْأَكْلُ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ لَفْظِهِ كُلِّيٌّ مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ لَا إِشْعَارَ لَهُ بِالْمُخَصَّصِ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ.

قُلْنَا: الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنَ الْأَكْلِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ، وَإِلَّا لَمَا حَنِثَ بِالْأَكْلِ الْخَاصِّ إِذْ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَكْلًا مُقَيَّدًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَكَلَاتِ الْمُقَيَّدَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وُقُوعُهَا فِي الْأَعْيَانِ أَيًّا مِنْهَا كَانَ، وَإِذَا كَانَ لَفْظُهُ لَا إِشْعَارَ لَهُ بِغَيْرِ الْمُقَيَّدِ صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِهِ، كَمَا إِذَا قَالَ: اعْتِقْ رَقَبَةً، وَفَسَّرَهُ بِالرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ كَمَا سَبَقَ.

[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ الْفِعْلُ وَإِنِ انْقَسَمَ إِلَى أَقْسَامٍ وَجِهَاتٍ فَالْوَاقِعُ مِنْهُ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ مِنْهَا]

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ

الْفِعْلُ وَإِنِ انْقَسَمَ إِلَى أَقْسَامٍ وَجِهَاتٍ فَالْوَاقِعُ مِنْهُ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَلَا يَكُونُ عَامًّا لِجَمِيعِهَا بِحَيْثُ يُحْمَلُ وُقُوعُهُ عَلَى جَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، فَصَلَاتُهُ الْوَاقِعَةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ فَرْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ نَفْلًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا فَرْضًا نَفْلًا، فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ جَمِيعًا، إِذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا، وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ إِلَّا بِدَلِيلٍ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ» ، فَالشَّفَقُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، فَصَلَاتُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْحُمْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْبَيَاضِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِ فِعْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُمَا عَلَى رَأْيِ مَنْ لَا يَرَى حَمْلَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَحَامِلِهِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ.

فَإِنَّ قَوْلَ الرَّاوِي: صَلَّى بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ: صَلَّى بَعْدَ الشَّفَقَيْنِ.


(١) الْجَوَابُ الْأَوَّلُ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْمُلَازَمَةِ هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ لِلنِّيَّةِ تَأْثِيرًا فِي مِثْلِ هَذَا كَالْعُرْفِ وَبِسَاطِ الْيَمِينِ، وَلِحَدِيثِ: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى "

<<  <  ج: ص:  >  >>