للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الخامسة الْمَسْأَلَةُ الظَّنِّيَّةُ مِنَ الْفِقْهِيَّاتِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ

الْمَسْأَلَةُ الظَّنِّيَّةُ مِنَ الْفِقْهِيَّاتِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا نَصٌّ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا:

فَقَالَ قَوْمٌ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِيهَا مُصِيبٌ، وَأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِيهَا لَا يَكُونُ وَاحِدًا بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، فَحُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْهُذَيْلِ وَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ. (١) وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ وَمَنْ عَدَاهُ مُخْطِئٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَيَّنًا ; لِأَنَّ الطَّالِبَ يَسْتَدْعِي مَطْلُوبًا وَذَلِكَ الْمَطْلُوبُ هُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِحَيْثُ لَوْ نَزَلَ نَصٌّ لَكَانَ عَلَيْهِ.

لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ دَفِينٍ يُظْفَرُ بِهِ حَالَةَ الِاجْتِهَادِ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ، فَمَنْ ظَفِرَ بِهِ فَهُوَ مُصِيبٌ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْهُ فَهُوَ مُخْطِئٌ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَكِنِ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ:

فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ قَطْعِيٌّ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ:

فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِتَأْثِيمِ الْمُجْتَهِدِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الظَّفَرِ بِهِ وَنَقْضِ حُكْمِهِ، كَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ التَّأْثِيمِ لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ وَغُمُوضِهِ فَكَانَ مَعْذُورًا.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ظَنِّيٌّ، فَمَنْ ظَفِرَ بِهِ فَهُوَ مُصِيبٌ وَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنْ لَمْ يَصُبْهُ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ فَوْرِكٍ (٢) وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَائِينِيِّ.


(١) أَبُو الْهُذَيْلِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُقَدَّمُ فِيهَا، مَاتَ عَامَ ٢٣٥ هـ، وَقَدْ سَبَقَ تَرْجَمَةُ أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ.
(٢) ابْنُ فَوْرِكٍ هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْصَارِيُّ الْأُصُولِيُّ الْمُتَكَلِّمُ، قَتَلَهُ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ ٤٠٦ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>