للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَاجِبِ الْعَيْنِ وَوَاجِبِ الْكِفَايَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

لَا فَرْقَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَيْنَ وَاجِبِ الْعَيْنِ وَالْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ ; لِشُمُولِ حَدِّ الْوَاجِبِ لَهُمَا، خِلَافًا لِبَعْضِ النَّاسِ، مَصِيرًا مِنْهُ إِلَى أَنَّ وَاجِبَ الْعَيْنِ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ وَاجِبِ الْكِفَايَةِ، وَغَايَتُهُ الِاخْتِلَافُ فِي طَرِيقِ الْإِسْقَاطِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ. كَالِاخْتِلَافِ فِي طَرِيقِ الثُّبُوتُ كَمَا سَبَقَ (١) . وَلِهَذَا فَإِنَّ مَنِ ارْتَدَّ وَقَتَلَ فَقَتْلُهُ بِالرِّدَّةِ وَبِالْقَتْلِ وَاجِبٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَحَدُ الْوَاجِبَيْنِ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ دُونَ الْوَاجِبِ الْآخَرِ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمَا (٢) .

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ (٣) اخْتَلَفُوا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ.

فَمَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهَا وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ.

وَأَطْلَقَ الْجُبَّائِيّ وَابْنُهُ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْجَمِيعِ عَلَى التَّخْيِيرِ.

حُجَّةُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ الْجَمِيعِ أَوْ بِوُجُوبِ وَاحِدٍ، وَالْوَاحِدُ إِمَّا مُعَيَّنٌ وَإِمَّا غَيْرُ مُعَيَّنٍ، لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ لِخَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ مُوجِبًا لِلْجَمِيعِ لَكَانَ الْأَمْرُ بِإِيجَابِ عِتْقِ عَبْدٍ مِنَ الْعَبِيدِ عَلَى طَرِيقِ التَّخْيِيرِ مُوجِبًا لِلْجَمِيعِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنَ التَّخْيِيرِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ: أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ صَلَاتَيْنِ فَصَلِّ أَيَّهُمَا شِئْتَ وَاتْرُكْ أَيَّهُمَا شِئْتَ. كَمَا لَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ: أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ الصَّلَاةَ وَخَيَّرْتُكَ فِي فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا ; لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ فِي شَيْءٍ.


(١) يَعْنِي قَوْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: وَالْأَشْبَهُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي طَرِيقِ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ. . . إِلَخْ.
(٢) أَيْ فِي حَقِيقَتِهِمَا وَذَاتِهِمَا.
(٣) انْظُرْ ص ٢٩٩ وَمَا بَعْدَهَا ج: ١٩ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>