للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرَ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِهِ فِي الْإِبَاحَةِ، لِكَوْنِهَا أَقَلَّ الدَّرَجَاتِ فَكَانَتْ مُسْتَيْقَنَةً.

قُلْنَا: جَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعُرْفِ الطَّارِئِ وَبَقَاءُ الْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ بِحَالِهِ.

وَجَوَابُ الثَّانِي: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُتَيَقَّنَةٌ، إِذْ هِيَ مُقَابِلَةٌ لِلطَّلَبِ وَالتَّهْدِيدِ، لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُسْتَدْعِيَةٍ لِلْفِعْلِ وَلَا لِلتَّرْكِ، وَالطَّلَبُ مُسْتَدْعٍ لِلْفِعْلِ، وَالتَّهْدِيدُ مُسْتَدْعٍ لِتَرْكِ الْفِعْلِ، فَلَا تَيَقُّنَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (١) .

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ ظَاهِرَةٌ فِي الطَّلَبِ وَالِاقْتِضَاءِ فَالْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ يَكُونَ فِعْلُهُ رَاجِحًا عَلَى تَرْكِهِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

إِذَا ثَبَتَ أَنَّ صِيغَةَ (افْعَلْ) ظَاهِرَةٌ فِي الطَّلَبِ وَالِاقْتِضَاءِ، فَالْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ رَاجِحًا عَلَى تَرْكِهِ: فَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعَ التَّرْكِ. كَانَ وَاجِبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعَ التَّرْكِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَرَجُّحُهُ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَوِيَّةٍ، فَهُوَ الْمَنْدُوبُ، وَإِمَّا لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، فَهُوَ الْإِرْشَادُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ (٢) وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ (٣)

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ، مَجَازٌ فِيمَا عَدَاهُ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُبَاشِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ حَقِيقَةٌ مِنَ النَّدْبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ أَيْضًا مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.


(١) مِنْهُمَا - لَعَلَّهُ مِنْهَا أَيِ التَّهْدِيدِ وَالْإِبَاحَةِ وَطَلَبِ الْفِعْلِ
(٢) أَيْ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ
(٣) فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>