للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْلَاءِ السُّؤَالِ عَنِ الْجَوَابِ وَتَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا إِلَّا أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِ فَالسُّؤَالُ الَّذِي عَنْهُ الْجَوَابُ يَكُونُ ذِكْرُهُ مُقَدَّرًا فِي الْجَوَابِ فِي كَلَامِ الْمُجِيبِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاقَعْتَ فَكَفِّرْ.

وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ الْوَصْفَ إِذَا رُتِّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ تَحْقِيقًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ عِلَّةً فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ تَقْدِيرًا.

وَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْقِسْمُ مُلْحَقًا بِالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الظُّهُورِ وَالدَّلَالَةِ لِكَوْنِ (الْفَاءِ) فِيهِ مُقَدَّرَةً، وَفِي الْأَوَّلِ مُحَقَّقَةً، وَالِاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَدَأَ بِهِ لَا عَنْ قَصْدِ الْجَوَابِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ، فَقَالَ لَهُ: اسْقِنِي مَاءً فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْجَوَابُ لِسُؤَالِهِ وَلَا التَّعْلِيلُ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَهُ ابْتِدَاءً بِسَقْيِ الْمَاءِ وَعُدُولٌ عَنِ السُّؤَالِ بِالْكُلِّيَّةِ، إِمَّا لِذُهُولِهِ عَنِ السُّؤَالِ أَوْ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَإِنْ كَانَ مُنْقَدِحًا هَاهُنَا فَهُوَ بَعِيدٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا فُرِضَ السُّؤَالُ عَنْهُ ; إِذِ الْغَالِبُ عَدَمُ الذُّهُولِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ الْجَوَابَ حَتَّى لَا يَكُونَ مُؤَخَّرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ.

[الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَذْكُرَ الشَّارِعُ مَعَ الْحُكْمِ وَصْفًا لَوْ لَمْ يُقَدَّرِ التَّعْلِيلُ بِهِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ]

ٌ، وَمُنْصَبُ الشَّارِعِ مِمَّا يُنَزَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا مَعَ الْحُكْمِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ.

فَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَّرْنَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدَّرِ التَّعْلِيلُ بِهِ فَذِكْرُهُ لَا يَكُونُ مُفِيدًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِجْمَاعًا نَفْيًا لِمَا لَا يَلِيقُ بِكَلَامِهِ عَنْهُ.

وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ رَسُولِهِ فَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْلَ إِنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ الْعَبَثِ عَنِ الْعَاقِلِ فِي فِعْلِهِ وَكَلَامِهِ وَنِسْبَةُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إِلَيْهِ ; لِكَوْنِهِ عَارِفًا بِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، فَلَا يُقَدَّمُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>