[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ
اخْتَلَفُوا فِي انْقِرَاضِ الْعَصْرِ، هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أَوْ لَا؟
فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ ذفَوْرَكٍ إِلَى اعْتِبَارِهِ شَرْطًا.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ فَصَّلَ وَقَالَ: إِنْ كَانَ قَدِ اتَّفَقُوا بِأَقْوَالِهِمْ أَوْ أَفْعَالِهِمْ أَوْ بِهِمَا، لَا يَكُونُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطًا.
وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ بِذَهَابِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ إِلَى حُكْمٍ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عَنِ الْإِنْكَارِ مَعَ اشْتِهَارِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَهُوَ شَرْطٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ.
لَكِنْ قَدِ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ بِمَسْلَكَيْنِ ضَعِيفَيْنِ لَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِمَا وَوَجْهِ ضَعْفِهِمَا، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ.
الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ قَالُوا: وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً بَعْدَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ إِذَا لَمْ يُوجَدُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَالْحُجَّةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي نَفْسِ الِاتِّفَاقِ أَوْ نَفْسِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ أَوْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ.
لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي، وَإِلَّا كَانَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ دُونَ الِاتِّفَاقِ حُجَّةً وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّالِثِ وَإِلَّا كَانَ مَوْتُهُمْ مُؤَثِّرًا فِي جَعْلِ أَقْوَالِهِمْ حُجَّةً وَهُوَ مُحَالٌ كَمَا فِي مَوْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ الْحُجَّةُ فِي اتِّفَاقِهِمْ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْمُخَالِفِ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَعْوَى إِحَالَةِ ذَلِكَ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إِذْ هُوَ تَمْثِيلٌ جَامِعٌ صَحِيحٌ، كَيْفَ وَالْفَرْقُ حَاصِلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْوَحْيِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ لَيْسَ عَنْ وَحْيٍ حَتَّى يَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ غَيْرِهِ فَمُسْتَنِدٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ، وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ لَهُ أَيْضًا مُسْتَنِدٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَافْتَرَقَا.