للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصِّنْفُ الرَّابِعُ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ]

[مقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ]

وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَمَسْأَلَتَيْنِ:

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي بَيَانِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ، وَمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ.

أَمَّا التَّخْصِيصُ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: هُوَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْخِطَابُ عَنْهُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ.

أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَرْبَابِ الْخُصُوصِ؛ فَلِأَنَّ الْخِطَابَ عِنْدَهُمْ مُنَزَّلٌ عَلَى أَقَلِّ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْهُ.

وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَرْبَابِ الِاشْتِرَاكِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَمَلَ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي بَعْضِ مَحَامِلِهِ لَا يَكُونُ إِخْرَاجًا لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْخِطَابُ عَنْهُ، بَلْ غَايَتُهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مَحَامِلِهِ دُونَ الْبَعْضِ.

وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَرْبَابِ الْوَقْفِ فَظَاهِرٌ، إِذِ اللَّفْظُ عِنْدَهُمْ مَوْقُوفٌ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ لِلْخُصُوصِ أَوْ لِلْعُمُومِ، وَهُوَ صَالِحٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

فَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْهُ.

وَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لِلْخُصُوصِ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ إِذْ ذَاكَ دَلِيلًا عَلَى الْعُمُومِ، وَلَا مُتَنَاوِلًا لَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْخَاصِّ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ عَلَى بَعْضِ مَحَامِلِهِ الصَّالِحِ لَهَا.

وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَرْبَابِ الْعُمُومِ فَغَايَتُهُ أَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَهُمْ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَمَجَازٌ فِي الْخُصُوصِ.

وَعَلَى هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْحَقِيقَةِ وَجَبَ إِجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى جَمِيعِ مَحَامِلِهِ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْهَا.

وَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْحَقِيقَةِ وَامْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِاللَّفْظِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ، وَجَبَ صَرْفُهُ إِلَى مَحْمَلِهِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ الْخُصُوصُ.

وَعِنْدَ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَجَازِ لَا يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَنَاوِلًا لِلْحَقِيقَةِ، وَهِيَ الِاسْتِغْرَاقُ، فَلَا تَحَقُّقَ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْخِطَابُ عَنْهُ إِذْ هُوَ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَجَازِ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي الْحَقِيقَةِ.

وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَأَنَّ هَذَا عَامٌّ مُخَصَّصٌ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>