للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصِّنْفُ السَّابِعُ فِي الْمُجْمَلِ]

[مُقَدِّمَةُ فِي مَعْنَى الْمُجْمَلِ]

وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَمَسَائِلَ، أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي مَعْنَى الْمُجْمَلِ.

وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَمْعِ، وَمِنْهُ يُقَالُ " أَجْمَلَ الْحِسَابَ " إِذَا جَمَعَهُ وَرَفَعَ تَفَاصِيلَهُ.

وَقِيلَ: هُوَ الْمُحَصَّلُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: " جَمَّلْتُ الشَّيْءَ إِذَا حَصَّلْتَهُ " هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُجْمَلِ فِي اللُّغَةِ.

وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ، وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ وَلَا جَامِعٍ.

أَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ، فِلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ اللَّفْظُ الْمُهْمَلُ، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ، وَلَيْسَ بِمُجْمَلٍ، لِأَنَّ الْإِجْمَالَ وَالْبَيَانَ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ، وَالْمُهْمَلُ لَا دَلَالَةَ لَهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قَوْلُنَا مُسْتَحِيلٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ، لِأَنَّ مَدْلُولَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ بِالِاتِّفَاقِ.

وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ، فَلِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُجْمَلَ الْمُتَرَدِّدَ بَيْن مَحَامِلَ، قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ انْحِصَارُ الْمُرَادِ مِنْهُ فِي بَعْضِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا.

وَكَذَلِكَ مَا هُوَ مُجْمَلٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمُبَيَّنٌ مِنْ وَجْهٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ، وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ مُجْمَلٌ، فَفِيهِ تَعْرِيفُ الْمُجْمَلِ بِالْمُجْمَلِ، وَتَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ.

كَيْفَ وَإِنَّ الْإِجْمَالَ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ، فَقَدْ يَكُونُ فِي دَلَالَةِ الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَجْلِسْ جِلْسَةَ التَّشَهُّدِ الْوَسَطِ، فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ السَّهْوِ الَّذِي لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْجِلْسَةِ، وَبَيْنَ التَّعَمُّدِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا.

وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَالُ قَدْ يَعُمُّ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>