للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِي تَحْصِيلًا لِلثَّوَابِ عَلَى ذَلِكَ.

وَذَلِكَ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلنِّيَابَةِ فِيهِ كَمَا لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي بَاقِي الصِّفَاتِ مِنَ الْآلَامِ وَاللَّذَّاتِ وَنَحْوِهَا.

قُلْنَا: أَمَّا الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ بِالتَّكْلِيفِ لِمَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ تَعْيِينِ الْمُكَلَّفِ لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ أَشَقَّ مِمَّا كُلِّفَ بِهِ مَعَ تَسْوِيغِ النِّيَابَةِ فِيهِ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَرْفَعُ أَصْلَ الْكُلْفَةِ وَالِامْتِحَانِ فِيمَا سُوِّغَ لَهُ فِيهِ الِاسْتِنَابَةُ.

فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ لَازِمَةٌ لَهُ بِتَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِهِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْغَالِبُ وَبِمَا يَبْذُلُهُ مِنَ الْعِوَضِ لِلنَّائِبِ بِتَقْدِيرِ النِّيَابَةِ وَيَلْتَزِمُهُ مِنَ الْمِنَّةِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْعِوَضِ، وَلَيْسَ الْمُرَاعَى فِي بَابِ التَّكَالِيفِ أَشَقَّهَا وَأَعْلَاهَا رُتْبَةً وَلِذَلِكَ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً (١) .

وَأَمَّا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فَلَيْسَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ، بَلْ إِنْ أَثَابَ فَبِفَضْلِهِ وَإِنْ عَاقَبَ فَبِعَدْلِهِ كَمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، بَلْ لَهُ أَنْ يُثِيبَ الْعَاصِيَ وَيُعَاقِبَ الطَّائِعَ (٢)

[الْأَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى شَرْطَ الْمُكَلَّفِ]

الْأَصْلُ الرَّابِعُ

فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ وَفِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا فَاهِمًا لِلتَّكْلِيفِ ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ وَخِطَابَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا فَهْمَ مُحَالٌ كَالْجَمَادِ وَالْبَهِيمَةِ.

وَمَنْ وُجِدَ لَهُ أَصْلُ الْفَهْمِ لِأَصْلِ الْخِطَابِ، دُونَ تَفَاصِيلِهِ مِنْ كَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا، وَمُقْتَضِيًا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَمِنْ كَوْنِ الْآمِرِ بِهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُ وَاجِبُ الطَّاعَةِ، وَكَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، فَهُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى فَهْمِ التَّفَاصِيلِ كَالْجَمَادِ وَالْبَهِيمَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى فَهْمِ أَصْلِ الْخِطَابِ، وَيَتَعَذَّرُ تَكْلِيفُهُ أَيْضًا


(١) الْعِبَادَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا التَّعَبُّدُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ إِلَّا بِنَصٍّ عَنِ الْمَعْصُومِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا الْقِيَاسُ
(٢) كَتَبَ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُثِيبَ الْمُطِيعَ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً. وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ الصَّادِقُ فِي خَبَرِهِ الَّذِي لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، وَلَا يَظْلِمُ عَبْدَهُ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) ، انْظُرْ مَجْمُوعَ الْفَتَاوَى ج: ٦ وَمُخْتَصِرَ الصَّوَاعِقِ الْمُرْسَلَةِ لِابْنِ الْقَيِّمِ ج: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>