للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْأَمْرِ الْعُرْيِ عَنِ الْقَرَائِنِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْأَمْرِ الْعُرْيِ عَنِ الْقَرَائِنِ فَذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلتَّكْرَارِ الْمُسْتَوْعِبِ لِزَمَانِ الْعُمُرِ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَمُحْتَمِلٌ لِلتَّكْرَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى احْتِمَالَ التَّكْرَارِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ: وَكَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي الزِّيَادَةِ، وَلَمْ يَقْضِ فِيهَا بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْوَاقِفَيَّةِ.

وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الِامْتِثَالِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا، وَالتَّكْرَارُ مُحْتَمَلٌ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ قَرِينَةٌ أَشْعَرَتْ بِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ التَّكْرَارَ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ كَافِيًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ لَهُ " صَلِّ أَوْ صُمْ " فَقَدْ أَمَرَهُ بِإِيقَاعِ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَهُوَ مَصْدَرُ (افْعَلْ) وَالْمَصْدَرُ مُحْتَمِلٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَدَدِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَقَعَ بِهِ لَمَا كَانَ تَفْسِيرًا لِلْمَصْدَرِ وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ " لَمْ يَقَعْ سِوَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِلثَّلَاثِ، فَإِذَا قَالَ " صَلِّ " فَقَدْ أَمَرَهُ بِإِيقَاعِ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ، وَالْمَصْدَرُ مُحْتَمِلٌ لِلْعَدَدِ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ قَرِينَةٌ مُشْعِرَةٌ بِإِرَادَةِ الْعَدَدِ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ تَكُونُ كَافِيَةً.

وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ صَدَقَةً، أَوْ يَشْتَرِيَ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي مِنْهُ بِصَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَشِرَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ اللَّوْمَ وَالتَّوْبِيخَ، لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ حَالَ الْآمِرِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ إِرَادَةِ الْعَدَدِ، وَعَدَمِ إِرَادَتِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَدَدُ مَعَ ظُهُورِ الْإِرَادَةِ، وَلَا ظُهُورَ، إِذِ الْفَرْضُ فِيمَا إِذَا عُدِمَتِ الْقَرَائِنُ الْمُشْعِرَةُ بِهِ.

فَقَدْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ إِشْعَارِ اللَّفْظِ بِالْعَدَدِ مُطْلَقًا وَبَطَلَ الْقَوْلُ بِظُهُورِهِ فِيهِ وَبِالْوَقْفِ أَيْضًا.

وَالِاعْتِرَاضُ هَاهُنَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَذَاهِبِ الْخُصُومِ، فَمَنِ اعْتَقَدَ ظُهُورَهُ فِي التَّكْرَارِ اعْتَرَضَ بِشُبَهٍ.

الْأُولَى مِنْهَا أَنَّ أَوَامِرَ الشَّارِعِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّكْرَارِ، فَدَلَّ عَلَى إِشْعَارِ الْأَمْرِ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>