فَمَا هُوَ عَلَى وَفْقِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَمَلٌ بِأَغْلَبِ مَا يَرِدُ بِهِ الشَّرْعُ، وَالْعَمَلَ بِمُقَابِلِهِ بِالْعَكْسِ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ قَالَ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مَعْدُولٍ بِهِ عَنِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ، خَالَفَ فِي اشْتِرَاطِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ الْحُكْمِ وَجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ غَيْرَ الشُّذُوذِ، فَكَوْنُهُ غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ عَنِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ أَمَسُّ بِالْقِيَاسِ.
السَّادِسَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ أَصْلِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ عَنِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَى تَعْلِيلِهِ وَالْآخَرِ بِعَكْسِهِ، فَمَا اتُّفِقَ عَلَى تَعْلِيلِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِيَاسَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ إِلَّا أَنَّ احْتِمَالَ وُقُوعِ التَّعَبُّدِ فِي الْقِيَاسِ يُبْطِلُهُ قَطْعًا، وَمُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ غَيْرُ مُبْطِلَةٍ لِلْقِيَاسِ قَطْعًا، وَمَا يُبْطِلُ الْقِيَاسَ قَطْعًا بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ يَكُونُ مَرْجُوحًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا لَا يُبْطِلُهُ قَطْعًا.
[التَّرْجِيحَاتُ الْعَائِدَةُ إِلَى عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ]
وَأَمَّا التَّرْجِيحَاتُ الْعَائِدَةُ إِلَى عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ:
فَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى طَرِيقِ إِثْبَاتِهَا، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى صِفَتِهَا.
أَمَّا التَّرْجِيحَاتُ الْعَائِدَةُ إِلَى طُرُقِ إِثْبَاتِهَا:
فَالْأَوَّلُ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ وُجُودُ عِلَّةِ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ مَقْطُوعًا بِهِ فِي أَصْلِهِ بِخِلَافِ عِلَّةِ الْآخَرِ، فَمَا وُجُودُ عِلَّتِهِ فِي أَصْلِهِ قَطْعِيٌّ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَ وَجُودُهَا مَعْقُولًا أَوْ مُحَسًّا، مَدْلُولًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مَدْلُولٍ؛ لِكَوْنِهِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ، وَفِي مَعْنَى هَذَا أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْعِلَّتَيْنِ مَظْنُونًا غَيْرَ أَنَّ ظَنَّ وُجُودِ إِحْدَاهُمَا أَرَجَحُ مِنَ الْأُخْرَى فَقِيَاسُهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَغَلَبُ عَلَى الظَّنِّ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ قَطْعِيًّا وَفِي الْآخَرِ ظَنِّيًّا (١) فَيَكُونُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ الْعِلَّتَيْنِ ظَنِّيًّا غَيْرَ أَنَّ دَلِيلَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ دَلِيلِ الْأُخْرَى، فَمَا دَلِيلُهَا أَرْجَحُ فَقِيَاسُهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ.
(١) " فِي الْآخَرِ " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " فِي أَحَدِ "، وَ " ظَنِّيًّا " مَعْطُوفٌ عَلَى " قَطْعِيًّا " فَهُوَ مِنَ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَفِي جَوَازِهِ خِلَافٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute