للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الخامس فِي الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَجِهَاتِ الِانْفِصَالِ عَنْهَا]

الْبَابُ الْخَامِسُ

فِي الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَجِهَاتِ الِانْفِصَالِ عَنْهَا (١) .

[الِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ الِاسْتِفْسَارُ]

أَمَّا الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ فَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ اعْتِرَاضًا.

الِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ: الِاسْتِفْسَارُ

وَهُوَ طَلَبُ شَرْحِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَحَامِلَ عَلَى السَّوِيَّةِ، أَوْ غَرِيبًا لَا يَعْرِفُهُ السَّامِعُ الْمُخَاطَبُ، فَعَلَى السَّائِلِ (٢) بَيَانُ كَوْنِهِ مُجْمَلًا أَوْ غَرِيبًا ; لِأَنَّ الِاسْتِفْسَارَ عَنِ الْوَاضِحِ عِنَادٌ أَوْ جَهْلٌ.

وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: (٣) مَا ثَبَتَ فِيهِ الِاسْتِبْهَامُ صَحَّ عَنْهُ الِاسْتِفْهَامُ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ أَوَّلًا وَمَا سِوَاهُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ لِكَوْنِهِ فَرْعًا عَلَى فَهْمِ مَعْنَى اللَّفْظِ، وَصِيَغُهُ مُتَعَدِّدَةٌ:


(١) ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ خَاتِمَةً لِلْبَابِ الرَّابِعِ مِنْ أَبْوَابِ الْقِيَاسِ بَيَّنَ فِيهَا مَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ قَطْعًا وَمَا يُفْسِدُهَا ظَنًّا وَاجْتِهَادًا، ثُمَّ قَالَ هَذِهِ الْمُفْسِدَاتُ، وَوَرَاءُ هَذَا اعْتِرَاضَاتٌ مِثْلُ الْمَنْعِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْكَسْرِ وَالْفَرْقِ وَالْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ وَالتَّرْكِيبِ وَالتَّعْدِيَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ فِيهِ تَصْوِيبُ نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ قَدِ انْطَوَى تَحْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا لَمْ يَنْدَرِجْ تَحْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ نَظَرٌ جَدَلِيٌّ يَتْبَعُ شَرِيعَةَ الْجَدَلِ الَّتِي وَضَعَهَا الْجَدَلِيُّونَ بِاصْطِلَاحِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا فَائِدَةٌ دِينِيَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ نُشِحَّ عَلَى الْأَوْقَاتِ أَنْ نُضَيِّعَهَا بِهَا وَبِتَفْصِيلِهَا، وَإِنَّ تَعَلَّقَ بِهَا فَائِدَةٌ مِنْ ضَمِّ نَشْرِ الْكَلَامِ وَرَدِّ كَلَامِ الْمُنَاظِرِينَ إِلَى مَجْرَى الْخِصَامِ كَيْلَا يَذْهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ عَرْضًا وَطُولًا فِي كَلَامِهِ مُنْحَرِفًا عَنْ مَقْصِدِ نَظَرِهِ فَهِيَ لَيْسَتْ فَائِدَةً مِنْ جِنْسِ أُصُولِ الْفِقْهِ بَلْ هِيَ مِنْ عِلْمِ الْجَدَلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُفْرَدَ بِالنَّظَرِ وَلَا تُمْزَجَ بِالْأُصُولِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا تَذْلِيلُ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ لِلْمُجْتَهِدِينَ.
(٢) اصْطَلَحَ عُلَمَاءُ الْجَدَلِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَلَى الدَّلِيلِ يُسَمَّى سَائِلًا وَأَنَّ الْمُنْتَصِبَ لِإِثْبَاتِ الدَّعْوَى بِالدَّلِيلِ يُسَمَّى مُسْتَدِلًّا.
(٣) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ الْمَالِكِيُّ الْأَشْعَرِيُّ مَاتَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ عَامَ ٤٠٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>