للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنْهَا (الْهَمْزَةُ) كَقَوْلِهِ: " أَعِنْدَكَ زِيدٌ " وَهِيَ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِفْسَارِ إِذْ لَا تَرِدُ لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الْأَسْئِلَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَرِدُ لِغَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ.

فَمِنْ ذَلِكَ (هَلْ) وَهِيَ تَلِي الْهَمْزَةَ فِي الرُّتْبَةِ إِذْ هِيَ أَصْلٌ فِي الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِكَ " هَلْ زِيدٌ مَوْجُودٌ؟ " وَلَكِنَّهَا قَدْ تَرِدُ نَادِرًا لِلتَّأْكِيدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} ، وَالْمُرَادُ بِهِ: قَدْ أَتَى.

وَمِنْ ذَلِكَ (مَا) فَإِنَّهَا قَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِكَ " مَا عِنْدَكَ؟ " وَلَكِنَّهَا قَدْ تَرِدُ لِلنَّفْيِ، كَقَوْلِكَ " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا " وَلِلتَّعَجُّبِ كَقَوْلِكَ " مَا أَحْسَنَ زَيْدًا! " إِلَى مَعَانٍ أُخَرَ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً فِي الرُّتْبَةِ عَنْ (هَلْ) .

وَمِنْ ذَلِكَ (مَنْ) وَهِيَ قَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِكَ " مَنْ عِنْدَكَ؟ " وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» " (١) ، وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ كَقَوْلِكَ " جَاءَنِي مَنْ أُحِبُّهُ " وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ يَعْقِلُ دُونَ مَا لَا يَعْقِلُ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ فِي الرُّتْبَةِ عَنْ (مَا) لِأَنَّ (مَا) قَدْ تَرِدُ لِمَا لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} أَيْ وَمَنْ بَنَاهَا ٨ (٢) . .

وَمِنْ ذَلِكَ (أَيْنَ) وَهِيَ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ، وَ (مَتَى) عَنِ الزَّمَانِ، وَ (كَيْفَ) عَنِ الْكَيْفِيَّةِ، وَ (كَمْ) عَنِ الْكَمِّيَّةِ، وَ (أَيْ) عَنِ التَّمْيِيزِ، وَالْهَمْزَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي السُّؤَالِ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الِاسْتِفْسَارِ كَوْنُ اللَّفْظِ مُجْمَلًا أَوْ غَرِيبًا، فَيَجِبُ عَلَى السَّائِلِ بَيَانُ ذَلِكَ لِصِحَّةِ سُؤَالِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَا خَفَاءَ بِأَنَّ ظُهُورَ الدَّلِيلِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الظُّهُورُ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ مُجْمَلًا، فَنَفْيُ الْإِجْمَالِ إِذًا شَرْطٌ فِي الدَّلِيلِ، وَبَيَانُ شَرْطِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ لَا عَلَى الْمُعْتَرِضِ، قُلْنَا: ظُهُورُ الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى نَفْيِ الْإِجْمَالِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِجْمَالِ.


(١) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي بَابِ فَتْحِ مَكَّةَ.
(٢) انْظُرْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي أَقْسَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْقَيِّمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>