وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ، فَالتَّخْصِيصُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ مَذْهَبَ أَرْبَابِ الْعُمُومِ هُوَ تَعْرِيفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً، إِنَّمَا هُوَ الْخُصُوصُ وَعَلَى مَا يُنَاسِبُ مَذْهَبَ أَرْبَابِ الِاشْتِرَاكِ تَعْرِيفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الصَّالِحِ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ إِنَّمَا هُوَ الْخُصُوصُ.
وَالْمُعَرِّفُ لِذَلِكَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ يُسَمَّى مُخَصِّصًا، وَاللَّفْظُ الْمَصْرُوفُ عَنْ جِهَةِ الْعُمُومِ إِلَى الْخُصُوصِ مُخَصَّصًا (١) .
وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ خِطَابٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَعْنَى الشُّمُولِ. كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بُرْدَةَ: " «تُجْزِئُكَ وَلَا تُجِزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ» " فَلَا يُتَصَوَّرُ تَخْصِيصُهُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ عَلَى مَا عُرِفَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ جِهَةِ الْعُمُومِ إِلَى جِهَةِ الْخُصُوصِ، وَمَا لَا عُمُومَ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ هَذَا الصَّرْفُ.
وَأَمَّا مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الشُّمُولُ وَالْعُمُومُ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّخْصِيصُ، وَسَوَاءٌ كَانَ خِطَابًا أَوْ لَمْ يَكُنْ خِطَابًا كَالْعِلَّةِ الشَّامِلَةِ لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ عُمُومِهِ إِلَى جِهَةِ خُصُوصِهِ.
هَذَا إِتْمَامُ الْمُقَدِّمَةِ.
[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِهِ]
وَأَمَّا الْمَسَائِلُ فَمَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ مِنَ الْإِخْبَارِ وَالْأَمْرِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِشُذُوذٍ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ فِي تَخْصِيصِهِ الْخَبَرَ.
وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الشَّرْعُ وَالْمَعْقُولُ.
أَمَّا الشَّرْعُ، فَوُقُوعُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ، وَ {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، وَلَيْسَ خَالِقًا لِذَاتِهِ وَلَا قَادِرًا عَلَيْهَا وَهِيَ شَيْءٌ.
وَقَوْلِهِ، تَعَالَى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَى الْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَلَمْ تَجْعَلْهَا رَمِيمًا.
وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} ، (أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْخَبَرِيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ حَتَّى إِنَّهُ قَدْ قِيلَ: لَمْ يَرِدْ عَامٌّ إِلَّا وَهُوَ مُخَصَّصٌ إِلَّا فِي قَوْلِهِ، تَعَالَى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَائِزًا لَمَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ.
(١) مُخَصَّصًا فِيهِ تَحْرِيفٌ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مُخَصِّصٌ بِالرَّفْعِ لِكَوْنِهِ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ وَاللَّفْظُ الْمَصْرُوفُ، أَوْ أَنْ يُقَدَّرَ قَبْلَهُ نَاصِبٌ فَيُقَالَ: يُسَمَّى مُخَصِّصًا.