للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إِذَا رَوَى وَاحِدٌ خَبَرًا وَرَأَيْنَا الْأُمَّةَ مُجْمِعَةً عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

إِذَا رَوَى وَاحِدٌ خَبَرًا، وَرَأَيْنَا الْأُمَّةَ مُجْمِعَةً عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، كَأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا، إِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا، وَإِلَّا كَانَ عَمَلُهُمْ بِمُقْتَضَاهُ خَطَأً، وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الْخَطَأِ وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ، بَلْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِغَيْرِهِ.

وَبِتَقْدِيرِ عَمَلِ الْكُلِّ بِهِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَظْنُونَ الصِّدْقِ، فَالْأُمَّةُ مُكَلَّفَةٌ بِالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ، وَعَمَلُهُمْ بِمُوجِبِهِ مَعَ تَكْلِيفِهِمْ بِذَلِكَ لَا يَكُونُ خَطَأً، لِأَنَّ خَطَأَهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِهِمْ لِمَا كَلَّفُوا بِهِ، أَوِ الْعَمَلِ بِمَا نَهَوْا عَنْهُ.

وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَصِدْقُهُ لَا يَكُونُ مَقْطُوعًا، وَإِنْ كَانَ مَظْنُونًا.

وَعَلَى هَذَا لَوْ رَوَى وَاحِدٌ خَبَرًا، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَطَائِفَةٌ عَمِلَتْ بِمُقْتَضَاهُ وَطَائِفَةٌ اشْتَغَلَتْ بِتَأْوِيلِهِ، فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي عَمِلَتْ بِمُقْتَضَاهُ لَعَلَّهَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ، بَلْ بِغَيْرِهِ، كَمَا سَبَقَ.

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ عَامِلَةً بِهِ، فَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى قَبُولِهِ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ صَادِقًا قَطْعًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَكْلِيفِهِمْ بِاتِّبَاعِ الظَّنِّيِّ.

[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَجَدَ شَيئا بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ وانْفَرَدَ بِرِوَايَتِهِ عَنْ بَاقِي الْخَلْقِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ

اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ وُجِدَ شَيْءٌ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ لَتَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، إِذَا انْفَرَدَ الْوَاحِدُ بِرِوَايَتِهِ عَنْ بَاقِي الْخَلْقِ، كَمَا إِذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ بِبَغْدَادَ قُتِلَ فِي وَسَطِ الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ فَذَهَبَ الْكُلُّ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ، وَهُوَ الْحَقُّ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ رَكَّزَ فِي طِبَاعِ الْخَلْقِ مِنْ تَوْفِيرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِ مَا عَلِمُوهُ، وَالتَّحَدُّثِ بِمَا عَرَفُوهُ، حَتَّى إِنَّ الْعَادَةَ لَتُحِيلَ كِتْمَانَ مَا لَا يُؤْبَهُ لَهُ مِمَّا جَرَى مِنْ صِغَارِ الْأُمُورِ عَلَى الْجَمْعِ الْقَلِيلِ، فَكَيْفَ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ فِيمَا هُوَ مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ وَمُهِمَّاتِهَا، وَالنُّفُوسُ مُشْرَئِبَّةٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَفِي نَقْلِهِ صَلَاحٌ لِلْخَلْقِ، بَلِ السُّكُوتُ عَنْ نَقْلِ ذَلِكَ وَإِشَاعَتِهِ فِي إِحَالَةِ الْعَادَةِ لَهُ أَشَدُّ مِنْ إِحَالَةِ الْعَادَةِ لِسُكُوتِهِمْ وَتَوَاطُئِهِمْ عَلَى عَدَمِ نَقْلِ وُجُودِ مَكَّةَ وَبَغْدَادَ.

فَلَوْ جَازَ كِتْمَانُ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُوجَدَ مِثْلُ مِصْرَ وَبَغْدَادَ وَلَمْ يُخْبِرْ أَحَدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>