للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي التَّخْصِيصِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى جَوَازُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ]

الْقِسْمُ الثَّانِي

فِي التَّخْصِيصِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ

وَفِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنَ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، خِلَافًا لِطَائِفَةٍ شَاذَّةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وَقَوْلَهُ {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} مُتَنَاوِلٌ بِعُمُومِ لَفْظِهِ لُغَةً كُلَّ شَيْءٍ مَعَ أَنَّ ذَاتَهُ وَصَفَاتِهِ أَشْيَاءُ حَقِيقَةٌ، وَلَيْسَ خَالِقًا لَهَا وَلَا هِيَ مَقْدُورَةً لَهُ لِاسْتِحَالَةِ خَلْقِ الْقَدِيمِ (١) الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ وَاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مَقْدُورًا بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، فَقَدْ خَرَجَتْ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ بِدَلَالَةِ ضَرُورَةِ الْعَقْلِ عَنْ عُمُومِ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، وَلَا نَعْنِي بِالتَّخْصِيصِ سِوَى ذَلِكَ، فَمَنْ خَالَفَ فِي كَوْنِ دَلِيلِ الْعَقْلِ مُخَصِّصًا مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُوَافِقٌ عَلَى مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَمُخَالِفٌ فِي التَّسْمِيَةِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ مِنَ النَّاسِ حَقِيقَةً، وَهُمَا غَيْرُ مُرَادَيْنِ مِنَ الْعُمُومِ بِدَلَالَةِ نَظَرِ الْعَقْلِ عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ سِوَى ذَلِكَ.

فَإِنْ قِيلَ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ ذَاتَ الْبَارِي - تَعَالَى - وَصِفَاتِهِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ مِمَّا لَمْ يُرَدْ بِاللَّفْظِ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ كَوْنَ دَلِيلِ الْعَقْلِ مُخَصِّصًا لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:


(١) أَسْمَاءُ اللَّهِ وَصِفَاتُهُ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَمْ يَرِدْ فِي كِتَابِهِ - سُبْحَانَهُ - وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْمِيَتُهُ بِالْقَدِيمِ وَلَا إِضَافَةُ الْقِدَمِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ - سُبْحَانَهُ - فَيَجِبُ أَنْ لَا يُسَمَّى - سُبْحَانَهُ - بِذَلِكَ وَأَلَّا يُضَافَ إِلَيْهِ، وَخَاصَّةً أَنَّ الْقِدَمَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُذَمُّ كَالْبِلَى وَطُولِ الزَّمَنِ وَامْتِدَادِهِ فِي الْمَاضِي، وَإِنْ كَانَ لِمَنِ اتَّصَفَ بِهِ ابْتِدَاءً فِي الْوُجُودِ، انْظُرْ ص ١٢ ج١.

<<  <  ج: ص:  >  >>