للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ عَنْهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْمَعَانِي لَيْسَتْ لِذَوَاتِهَا وَإِلَّا كَانَتْ دَالَّةً عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَوْضِعَةِ، وَإِنَّمَا دَلَالَتُهَا تَابِعَةٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِرَادَتِهِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يُرِيدُ بِلَفْظِهِ الدَّلَالَةَ عَلَى مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ، فَلَا يَكُونُ لَفْظُهُ دَالًّا عَلَيْهِ لُغَةً وَمَعَ عَدَمِ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ عَلَى الصُّورَةِ الْمُخْرِجَةِ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا.

الثَّانِي أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ وَالْمُخَصِّصُ مُبَيِّنٌ، وَالْبَيَانُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ سَابِقَةِ الْإِشْكَالِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْمُبَيِّنِ، وَدَلِيلُ الْعَقْلِ سَابِقٌ فَلَا يَكُونُ مُبَيِّنًا وَلَا مُخَصِّصًا كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَقَدِّمِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْعَقْلِ كَالنَّسْخِ، ثُمَّ وَإِنْ سَلَّمْنَا دَلَالَةَ اللَّفْظِ لُغَةً عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ وَجَوَازَ كَوْنِ الْمُخَصِّصِ مُتَقَدِّمًا، وَلَكِنْ مَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ صِحَّةُ الِاحْتِجَاجِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ مَشْرُوطَةً بِعَدَمِ مُعَارَضَةِ عُمُومِ الْكِتَابِ لَهُ؟ وَبِتَقْدِيرِ الِاشْتِرَاطِ لِذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي التَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ.

وَإِنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ التَّخْصِيصِ فِي الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَوَّلًا، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ تَخْصِيصِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَنْ عُمُومِ آيَةِ الْحَجِّ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مَبْنِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِ خِطَابِهِمَا وَكَيْفَ يُمْكِنُ دَعْوَى ذَلِكَ مَعَ دُخُولِهِمَا تَحْتَ الْخِطَابِ بِأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّبِيِّ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي صِحَّةِ إِسْلَامِهِ، وَلَوْلَا إِمْكَانُ دُخُولِهِ تَحْتَ الْخِطَابِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ، قَوْلُهُمْ: إِنَّ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ لِذَوَاتِهَا مُسَلَّمٌ، وَإِنَّهُ لَا بُدَّ (١) فِي دَلَالَتِهَا مِنْ قَصْدِ الْوَاضِعِ لَهَا دَالَّةً عَلَى الْمَعْنَى.

قَوْلُهُمْ: الْعَاقِلُ لَا يَقْصِدُ بِلَفْظِهِ (٢) الدَّلَالَةَ عَلَى مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ.

قُلْنَا: ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا وُضِعَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ لُغَةً بِالنَّظَرِ إِلَى إِرَادَتِهِ مِنَ اللَّفْظِ، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.

وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَى الْمَعْنَى لُغَةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُرَادٍ مِنَ اللَّفْظِ.


(١) وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ
(٢) بِلَفْظَةٍ - فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ بِلَفْظِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>