للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ إِذَا وَرَدَ خِطَابُ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ لَا يَعُمُّ الْأُمَّةَ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ

إِذَا وَرَدَ خِطَابُ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ - قُمِ اللَّيْلَ} ، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} ، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} لَا يَعُمُّ الْأُمَّةَ ذَلِكَ الْخِطَابُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِمَا فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ يَكُونُ خِطَابًا لِلْأُمَّةِ إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ فِيهِ عَلَى الْفَرْقِ.

وَدَلِيلُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخِطَابَ الْوَارِدَ نَحْوَ الْوَاحِدِ مَوْضُوعٌ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِذَلِكَ الْوَاحِدِ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِهِ بِوَضْعِهِ (١) .

وَلِهَذَا فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَمَرَ بَعْضَ عَبِيدِهِ بِخِطَابٍ يَخُصُّهُ لَا يَكُونُ أَمْرًا لِلْبَاقِينَ.

وَكَذَلِكَ فِي النَّهْيِ وَالْإِخْبَارِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ.

كَيْفَ وَإِنَّهُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مَصْلَحَةً لَهُ، وَهُوَ مَفْسَدَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي أَمْرِ الطَّبِيبِ لِبَعْضِ النَّاسِ بِشُرْبِ بَعْضِ الْأَدْوِيَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا لِغَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْأَمْزِجَةِ وَالْأَحْوَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ الْأَمْرِ.

وَلِهَذَا خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَحْكَامٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ، وَمَعَ امْتِنَاعِ اتِّحَادِ الْخِطَابِ (٢) وَجَوَازِ الِاخْتِلَافِ فِي الْحِكْمَةِ وَالْمَقْصُودِ يَمْتَنِعُ التَّشْرِيكُ فِي الْحُكْمِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ مِنْ خَارِجٍ يَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَالِاشْتِرَاكُ فِي الْحُكْمِ يَكُونُ مُسْتَنِدًا إِلَى نَفْسِ الْقِيَاسِ لَا إِلَى نَفْسِ الْخِطَابِ الْخَاصِّ بِمَحَلِّ التَّنْصِيصِ أَوْ دَلِيلٍ آخَرَ.


(١) قَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْخِطَابَ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ بِوَضْعِهِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَنَاوَلُهُ عُرْفًا أَوْ لِقَرَائِنَ أُخْرَى، كَكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالْخِطَابِ لِذَاتِهِ، بَلْ لِيَعْمَلَ وَلِيُبَلِّغَ الْأُمَّةَ مَا شَرَعَ اللَّهُ لَهَا عَنْ طَرِيقِهِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وَنَحْوُهُ مِنَ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِذًا فَالْأَصْلُ الْعُمُومُ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حَالُ أُمَّتِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذُكِرَ بَعْدُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ لِتَفَاوُتِ أَحْوَالِ النَّاسِ
(٢) وَمَعَ امْتِنَاعِ اتِّحَادِ الْخِطَابِ - فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ: وَمَعَ اتِّحَادِ الْخِطَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>