للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَاصًّا لِكَوْنِ النَّصِّ الْخَاصِّ وَالْإِجْمَاعِ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ الظَّنِّيِّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَامًا فَلَا نَسْخَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ بِخِطَابٍ عَلَى مَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ الثَّانِي رَاجِحًا عَلَى الْأَوَّلِ.

وَعِنْدَ ذَلِكَ، فَتَارَةً نَقُولُ: إِنَّ الْقِيَاسَ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ قِيَاسًا لِعَدَمِ تَرَجُّحِهِ وَأَنَّ التَّرَجُّحَ شَرْطٌ فِي الِاقْتِضَاءِ، وَتَارَةً نَقُولُ: إِنَّهُ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ رَفْعُ حُكْمِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى النَّسْخِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ النَّسْخَ هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ حُكْمِ خِطَابٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَلِلْمُخَالِفِ شُبْهَتَانِ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ} أَوْجَبَ نَسْخَ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ، وَلَيْسَ مُصَرَّحًا بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُنَبَّهٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ هُوَ نَفْسُ نَسْخِ حُكْمِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ.

الثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا: النَّسْخُ أَحَدُ الْبَيَانَيْنِ فَجَازَ بِالْقِيَاسِ كَالتَّخْصِيصِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأُولَى: أَنَّهَا إِنَّمَا تَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ ثُبُوتُ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ الرَّافِعُ ثُبُوتَ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ مُسْتَفَادًا مِنَ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ اسْتِفَادَتُهُ إِنَّمَا هِيَ مِنْ نَفْسِ مَفْهُومِ اللَّفْظِ.

وَعَنِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهَا مَنْقُوضَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يُخَصَّصُ بِهِ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ.

[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ النَّسْخِ بِفَحْوَى الْخِطَابِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ

اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بِفَحْوَى الْخِطَابِ كَدَلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى، وَعَلَى جَوَازِ نَسْخِ حُكْمِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ نَسْخِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى وَالْفَحْوَى دُونَ الْأَصْلِ.

غَيْرَ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ نَسْخَ الْأَصْلِ يُفِيدُ نَسْخَ الْفَحْوَى ; لِأَنَّ الْفَحْوَى تَابِعٌ لِلْأَصْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ التَّابِعِ مَعَ ارْتِفَاعِ الْمَتْبُوعِ.

وَأَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى دُونَ الْأَصْلِ، فَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ فَجَوَّزَهُ تَارَةً ; نَظَرًا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ، وَتَحْرِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>