للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرَ مِنَ الْمَحْذُورِ إِنَّمَا يَلْزَمُ إِنْ لَوِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ فِي صُورَتَيْنِ بِعِلَّتَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا سَبَقَ.

وَمَعَ جَوَازِ الْحُكْمِ فِي صُورَتَيْنِ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ حِكْمَةُ الْحُكْمِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَلَهَا فِي كُلِّ صُورَةٍ ضَابِطٌ بِحَسْبِ تِلْكَ الصُّورَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُرُّ إِلَى إِهْمَالِ الْحِكْمَةِ وَلَا إِلَى إِلْغَاءِ الضَّابِطِ.

[الْمَسْأَلَةُ السادسة عشرة تَعْلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِعِلَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْوُجُودِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ

اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِعِلَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْوُجُودِ، وَذَلِكَ كَتَعْلِيلِ إِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ لِلْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ الَّذِي عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ بِالْجُنُونِ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ قَبْلَ عُرُوضِ الْجُنُونِ.

وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِلَّةَ حُكْمِ الْأَصْلِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ أَوْ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُعَرِّفَةِ لَهُ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَيَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ الْعِلَّةِ عَنِ الْحُكْمِ فِي الْوُجُودِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ قَبْلَ ذَلِكَ إِمَّا لَا بِبَاعِثٍ أَوْ بِبَاعِثٍ غَيْرِ الْعِلَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ ; لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِبَاعِثٍ لَا تَحَقُّقَ لَهُ مَعَ الْحُكْمِ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: مَا بَيَّنَّاهُ مِنَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ، وَقَدْ عَرَفَ قَبْلَهَا ضَرُورَةَ سَبْقِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَيْهَا، وَتَعْرِيفُ الْمَعْرُوفِ مُحَالٌ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِتَقْدِيرِ امْتِنَاعِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ وَإِلَّا فَبِتَقْدِيرِ تَعْلِيلِهِ بِعِلَّتَيْنِ، فَلَا يَمْتَنِعُ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ مَوْجُودَةٍ مَعَهُ وَعِلَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهُ.

قُلْنَا: أَمَّا أَوَّلًا فَقَدْ بَيَّنَّا امْتِنَاعَ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبِتَقْدِيرِ جَوَازِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِتَقْدِيرِ أَنْ لَا تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُتَقَدَّمَةً عَلَى الْأُخْرَى لِمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>