للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَقْيِيدِهِ لِلْإِجْمَاعِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى قَضِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ أَوْ عُرْفِيَّةٍ حُجَّةً شَرْعِيَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا يَأْتِي بَيَانُهُ.

وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّفَاقِ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ عَلَى حُكْمِ وَاقِعَةٍ مِنَ الْوَقَائِعِ.

هَذَا إِنْ قُلْنَا إِنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّفَاقِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِلَى آخَرِ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ.

فَقَوْلُنَا: (اتِّفَاقُ) يَعُمُّ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالسُّكُوتَ وَالتَّقْرِيرَ.

وَقَوْلُنَا: (جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ) احْتِرَازٌ عَنِ اتِّفَاقِ بَعْضِهِمْ وَعَنِ اتِّفَاقِ الْعَامَّةِ.

وَقَوْلُنَا: (مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) احْتِرَازٌ عَنِ اتِّفَاقٍ أَهْلِ الْعَقْدِ مِنْ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ.

وَقَوْلُنَا: (فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ) حَتَّى يَنْدَرِجَ فِيهِ إِجْمَاعُ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ، وَإِلَّا أَوْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَقَوْلُنَا: (عَلَى حُكْمِ وَاقِعَةٍ) لِيَعُمَّ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ وَالْأَحْكَامَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ، وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى الْإِجْمَاعِ فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ.

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى اتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ هل يمكن تصوره]

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

اخْتَلَفُوا فِي تَصَوُّرِ اتِّفَاقِ (١) أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ بِالضَّرُورَةِ فَأَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ وَنَفَاهُ الْأَقَلُّونَ مَصِيرًا مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، أَوْ عَنْ دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ.

لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ وَإِلَّا لَكَانَتِ الْعَادَةُ مُحِيلَةً لِعَدَمِ نَقْلِهِ وَتَوَاطُئِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ عَلَى إِخْفَائِهِ، فَحَيْثُ لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ عَلَى عَدَمِهِ.

كَيْفَ وَأَنَّهُ لَوْ نُقِلَ لَكَانَ كَافِيًا فِي الدَّلَالَةِ عَنْ إِجْمَاعِهِمْ وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي ; لِأَنَّهُمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَذْهَانِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ فِي الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ وَالْعِنَادِ، فَالْعَادَةُ أَيْضًا تُحِيلُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ كَمَا أَنَّهَا تُحِيلُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَكْلِ


(١) (تَصَوُّرِ اتِّفَاقِ إِلَخْ) أَيْ: إِمْكَانُ إِجْمَاعِهِمْ لَا مُجَرَّدَ خُطُورِ اتِّفَاقِهِمْ فِي الذِّهْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَأَتَّى فِي الْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>