(٢) قَدْ يُقَالُ: إِنْ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ اخْتَلَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآمَنَ بِهَا وَبِمَا يَتْبَعُهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَنْكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، وَاتِّبَاعًا لِدَاعِي الْهَوَى، وَأَغْرُوا بِذَلِكَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ لَا نَظَرَ لَهُمْ فَتَبِعُوهُمْ تَقْلِيدًا لَهُمْ، وَانْدِفَاعًا وَرَاءَ الْعَصَبِيَّةِ لِقَوْمِهِمْ، وَتَوَارَثُوا ذَلِكَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ إِلَى يَوْمِنَا، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عُلَمَائِهِمُ اتِّفَاقٌ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَكَشَفَ دَخَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَّبِعِيهِمْ إِلَّا التَّقْلِيدَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ إِجْمَاعًا مِنْ أُمَّةٍ، وَمَنْ نَظَرَ فِي التَّارِيخِ وَتَدَبَّرَ مَا نَزَلَ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي حَسَدِهِمْ لِلرَّسُولِ، وَأَتْبَاعِهِ وَإِغْرَائِهِمْ قَوْمَهَمْ وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ بِالْمُؤْمِنِينَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ إِنْكَارَهُمْ مَا أَنْكَرُوا كَانَ عَنْ تَؤَاطُؤِ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ.وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي اتِّفَاقِ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ عَنْ شُبْهَةٍ طَغَتْ عَلَى أَفْكَارِهِمْ، أَوْ عَنْ هَوًى وَسُوءِ طَوِيَّةٍ، وَقَلَّدَهُمْ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ، فَهِيَ زَلَّةُ عَالِمٍ تَبِعَهُ فِيهَا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْبَحْثِ وَلَا نَظَرٌ صَحِيحٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute