للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَعَامٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ إِجْمَاعُهُمْ عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ عَدَمُ نَقْلِهِ أَنْ لَوْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ كَافِيًا عَنْهُ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فَلَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ اتِّفَاقُ الْجَمْعِ الْكَبِيرِ عَلَى حُكْمِهِ بِدَلِيلِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الشُّبَهِ عَلَى أَحْكَامِهَا مَعَ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ عَلَى مُنَاقَضَتِهَا، كَاتِّفَاقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى إِنْكَارِ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتِّفَاقِ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ وَالْمَجُوسِ عَلَى التَّثْنِيَةِ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ كَثْرَةً لَا تُحْصَى، فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ الْخَالِي عَنْ مُعَارَضَةِ الْقَاطِعِ لَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْتَنِعَ عَادَةً (١) وَخَرَجَ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ اتِّفَاقِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ مُعَيَّنٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي الْعَادَةِ لِعَدَمِ الصَّارِفِ إِلَيْهِ، كَيْفَ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقِضٌ بِمَا وُجِدَ مِنَ اتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مَعَ خُرُوجِ عَدَدِهِمْ عَنِ الْحَصْرِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ التى لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهَا الضَّرُورَةَ (٢) وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ التَّصَوُّرِ وَزِيَادَةٌ.


(١) وُجُوبُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهَا مِمَّا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَالْإِجْمَاعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِمَنْ رَجَعَ لِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ.
(٢) قَدْ يُقَالُ: إِنْ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ اخْتَلَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآمَنَ بِهَا وَبِمَا يَتْبَعُهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَنْكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، وَاتِّبَاعًا لِدَاعِي الْهَوَى، وَأَغْرُوا بِذَلِكَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ لَا نَظَرَ لَهُمْ فَتَبِعُوهُمْ تَقْلِيدًا لَهُمْ، وَانْدِفَاعًا وَرَاءَ الْعَصَبِيَّةِ لِقَوْمِهِمْ، وَتَوَارَثُوا ذَلِكَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ إِلَى يَوْمِنَا، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عُلَمَائِهِمُ اتِّفَاقٌ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَكَشَفَ دَخَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَّبِعِيهِمْ إِلَّا التَّقْلِيدَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ إِجْمَاعًا مِنْ أُمَّةٍ، وَمَنْ نَظَرَ فِي التَّارِيخِ وَتَدَبَّرَ مَا نَزَلَ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي حَسَدِهِمْ لِلرَّسُولِ، وَأَتْبَاعِهِ وَإِغْرَائِهِمْ قَوْمَهَمْ وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ بِالْمُؤْمِنِينَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ إِنْكَارَهُمْ مَا أَنْكَرُوا كَانَ عَنْ تَؤَاطُؤِ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ.
وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي اتِّفَاقِ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ عَنْ شُبْهَةٍ طَغَتْ عَلَى أَفْكَارِهِمْ، أَوْ عَنْ هَوًى وَسُوءِ طَوِيَّةٍ، وَقَلَّدَهُمْ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ، فَهِيَ زَلَّةُ عَالِمٍ تَبِعَهُ فِيهَا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْبَحْثِ وَلَا نَظَرٌ صَحِيحٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>