للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ الضَّابِطُ (١) فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الضَّبْطُ بِهِ إِنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى حِكْمَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَأَمَّا إِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْوَاحِدُ ضَابِطًا فِي كُلِّ صُورَةٍ لِحِكْمَةٍ، فَانْتِفَاءُ حِكْمَةِ إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَنِ الْأُخْرَى لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي انْتَفَتْ عَنْهَا تِلْكَ الْحِكْمَةُ عَرِيًّا عَنِ الْفَائِدَةِ، بَلْ يَكُونُ ثُبُوتُهُ بِالْحِكْمَةِ الْخَاصَّةِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ، وَالضَّابِطُ لَهَا وَلِحِكْمَةِ الْحُكْمِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى شَيْءٌ وَاحِدٌ.

قُلْنَا: إِذَا اتَّحَدَ الضَّابِطُ فَاخْتِصَاصُهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِحِكْمَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْحِكْمَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى، إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِذَاتِهِ أَوْ لِمُخَصِّصٍ مُخْتَصٍّ بِتِلْكَ الصُّورَةِ دُونَ الصُّورَةِ الْأُخْرَى.

لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فِي الْحِكْمَتَيْنِ ضَرُورَةَ اتِّحَادِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهَا.

وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي، فَمَا بِهِ التَّخْصِيصُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصُّورَتَيْنِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الضَّابِطِ، فَالضَّابِطُ لِلْحِكْمَتَيْنِ يَكُونُ مُخْتَلِفًا، وَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا بِهِ تَخَصَّصَتْ كُلُّ صُورَةٍ مِنَ الْمُخَصِّصِ الزَّائِدِ. (٢)

[الْمَسْأَلَةُ الخامسة عشرة شَرْطَ ضَابِطِ الْحِكْمَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ

ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ شَرْطَ ضَابِطِ الْحِكْمَةِ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا بِحَيْثُ لَا تُوجَدُ الْحِكْمَةُ يَقِينًا فِي صُورَةٍ دُونَهُ، مَصِيرًا مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يُثْبِتَ الْحُكْمَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي وُجِدَتْ فِيهَا الْحِكْمَةُ دُونَ ذَلِكَ الضَّابِطِ أَوْ لَا يُثْبِتَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَيَلْزَمُ مِنْهُ إِدَارَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْحِكْمَةِ دُونَ ضَابِطِهَا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الضَّابِطِ لِإِمْكَانِ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْحِكْمَةِ دُونَهُ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَيَلْزَمُ مِنْهُ إِهْمَالُ الْحِكْمَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

وَصُورَةُ ذَلِكَ ضَبْطُ الْحَنَفِيِّ الْعَمْدِيَّةِ بِاسْتِعْمَالِ الْجَارِحِ، حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إِهْمَالُ الْعَمْدِيَّةِ مَعَ تَيَقُّنِ وَجُودِهَا فِيمَا إِذَا أَدَارَ حَجَرَ الْبَزَارَةِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ أَلْقَاهُ فِي بَحْرٍ مُغْرِقٍ أَوْ نَارٍ مُحْرِقَةٍ.


(١) وَذَلِكَ - الْأَوْلَى فَذَلِكَ
(٢) مِنَ الْمُخَصِّصِ الزَّائِدِ - بَيَانٌ لِكَلِمَةِ " مَا " فِي قَوْلِهِ: وَمَا بِهِ تَخَصَّصَتْ كُلُّ صُورَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>