للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خَاتِمَةٌ فِي طَرِيقِ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ]

فَنَقُولُ: النَّصَّانِ إِذَا تَعَارَضَا إِمَّا أَنْ يَتَعَارَضَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَإِنْ تَنَافَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعْلُومًا وَالْآخِرُ مَظْنُونًا، فَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ أَوِ اقْتِرَانُهُمَا أَوْ لَا يُعْلَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ فَهُوَ نَاسِخٌ وَالْمُتَقَدِّمُ مَنْسُوخٌ.

وَذَلِكَ قَدْ يُعْرَفُ إِمَّا بِلَفْظِ النَّسْخِ وَالْمَنْسُوخِ كَمَا لَوْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا نَاسِخٌ وَهَذَا مَنْسُوخٌ " (١) أَوْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ.

وَإِمَّا بِالتَّارِيخِ، وَذَلِكَ قَدْ يُعْلَمُ إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» ".

وَإِمَّا بِإِسْنَادِ الرَّاوِي أَحَدَهُمَا إِلَى شَيْءٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَوْلِهِ: كَانَ هَذَا فِي السَّنَةِ الْفُلَانِيَّةِ وَهَذَا فِي السَّنَةِ الْفُلَانِيَّةِ. وَإِحْدَاهُمَا مَعْلُومَةُ التَّقَدُّمِ عَلَى الْأُخْرَى، هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ سَنَدُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مُسْتَوِيًا.

وَلَيْسَ مِنَ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي مَعْرِفَةِ النَّسْخِ أَنْ يَقُولَ الصَّحَابِيُّ: " كَانَ الْحُكْمُ كَذَا ثُمَّ نُسِخَ " فَإِنَّهُ رُبَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَلَا أَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ إِنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَسْخَ الْمُتَوَاتِرِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ ضِمْنًا مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْقَابِلَةِ فِي الْوَلَدِ إِنَّهُ مِنْ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ، وَأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا ابْتِدَاءً مِثْلَ ذَلِكَ هَاهُنَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ، فَإِنَّ غَايَةَ ذَلِكَ الْجَوَازُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوُقُوعُ.

وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُثْبَتًا فِي الْمُصْحَفِ بَعْدَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي النُّزُولِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ رَاوِي أَحَدِهِمَا مِنْ أَحْدَاثِ


(١) هَذَا مُجَرَّدُ فَرْضٍ وَتَقْدِيرٍ إِذْ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ هَذَا فِي عِبَارَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ غَيْرُ عَمَلِيٍّ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ

<<  <  ج: ص:  >  >>