للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقُلُ عَمَّنْ تَقَدَّمَتْ صُحْبَتُهُ، وَإِنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَلِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ مُتَقَدِّمِ الصُّحْبَةِ مُتَأَخِّرَةً.

وَلَا أَنْ يَكُونَ إِسْلَامُ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ بَعْدَ إِسْلَامِ الْآخَرِ ; لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي رِوَايَةِ الْحَدَثِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ مُتَجَدِّدَ الصُّحْبَةِ بَعْدَ انْقِطَاعِ صُحْبَةِ الرَّاوِي الْآخَرِ ; لِجَوَازِ سَمَاعِهِ عَمَّنْ تَقَدَّمَتْ صُحْبَتُهُ.

وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ النَّصَّيْنِ عَلَى وِفْقِ قَضِيَّةِ الْعَقْلِ وَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْآخَرُ عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ تَقَدُّمُ الْمُوَافِقِ لِذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الْمُخَالِفِ.

وَأَمَّا إِنْ عُلِمَ اقْتِرَانُهُمَا مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرِ الْوُقُوعِ وَإِنْ جَوَّزَهُ قَوْمٌ، وَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فَالْوَاجِبُ إِمَّا الْوَقْفُ عَنِ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا (١) أَوِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا إِنْ أَمْكَنَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعْلُومًا وَالْآخِرُ مَظْنُونًا، فَالْعَمَلُ بِالْمَعْلُومِ وَاجِبٌ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ (٢) ، أَوْ جُهِلَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ إِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْمَظْنُونِ كَانَ نَاسِخًا وَإِلَّا كَانَ مَعَ وُجُوبِهِ الْعَمَلُ غَيْرَ نَاسِخٍ. هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا تَنَافَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَأَمَّا إِنْ تَنَافَيَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنَ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ) (٣) فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُبَدِّلِ وَعَامٌّ فِي النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَقَوْلُهُ: " «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ النِّسْوَانِ» " (٤) فَإِنَّهُ خَاصٌّ فِي النِّسَاءِ وَعَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُبَدِّلِ، فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَمَا لَوْ تَنَافَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَعَلَيْكَ بِالِاعْتِبَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ


(١) عَنِ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا: لَعَلَّهُ عَنِ الْعَمَلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا
(٢) بَلِ الْعَمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا وَاجِبٌ فَإِنَّ الْمُتَوَاتِرَ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الثُّبُوتِ لَكِنَّهُ ظَنِّيُّ الِاسْتِمْرَارِ مَا دَامَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ، فَيَجُوزُ قَطْعُ اسْتِمْرَارِهِ بِالْآحَادِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ تَخْصِيصِ مُتَوَاتِرٍ، ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الزَّمَانِ - بِآحَادٍ، يُبَيِّنُ اخْتِصَاصَهُ بِبَعْضِ الزَّمَانِ، وَتَخْصِيصُ الْمُتَوَاتِرِ الْعَامِّ بِالْآحَادِ لَا غَرَابَةَ فِيهِ، انْظُرِ التَّعْلِيقَ ٤ ص ١٤٩ ج٣
(٣) مَنْ بَدَّلَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ
(٤) رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>