[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الِاحْتِجَاجِ بِالعمومِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ فِي مَا بَقِيَ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ
اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ فِي صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ فِي مَا بَقِيَ فَأَثْبَتَهُ الْفُقَهَاءُ مُطْلَقًا، وَأَنْكَرَهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ وَأَبُو ثَوْرٍ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْصِيلِ، فَقَالَ الْبَلْخِيُّ (١) : إِنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ كَالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فَهُوَ حُجَّةٌ، وَإِنَّ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: إِنْ كَانَ الْمُخَصَّصُ قَدْ مَنَعَ مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ الْعَامِّ، وَأَوْجَبَ تَعَلُّقَهُ بِشَرْطٍ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ الظَّاهِرُ لَمْ يَجُزِ التَّعَلُّقُ بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلَالَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحِرْزِ وَمِقْدَارِ الْمَسْرُوقِ مَانِعٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِعُمُومِ اسْمِ السَّارِقِ، وَمُوجِبٌ لِتَعَلُّقِهِ بِشَرْطٍ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُخَصَّصُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ الْعَامِّ فَهُوَ حُجَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) ، فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ غَيْرِ مَانِعٍ مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِاسْمِ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ كَانَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ، لَوْ تَرَكْنَا وَظَاهِرُهُ مِنْ دُونِ التَّخْصِيصِ كُنَّا نَمْتَثِلُ مَا أُرِيدَ مِنَّا، وَنَضُمُّ إِلَيْهِ مَا لَمْ يُرَدْ مِنَّا صَحَّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) الْمُخَصَّصُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكْنَا وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصٌ لَمْ يُمْكِنَّا امْتِثَالُ مَا أُرِيدَ مِنَّا دُونَ بَيَانٍ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} لَوْ تَرَكْنَا وَالْآيَةُ لَمْ يُمْكِنَّا امْتِثَالَ مَا أُرِيدَ مِنَّا مِنَ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ قَبْلَ تَخْصِيصِهِ بِالْحَائِضِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ.
(١) أَبُو ثَوْرٍ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْكَلْبِيُّ الْفَقِيهُ الْبَغْدَادِيُّ مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ٢٤٠ عَنْ ٧٠ سَنَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute