للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ آحَادِ الْعُقَلَاءِ فَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلرِّسَالَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَتَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ أَوْلَى.

وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِهِ مَعَ الْحُكْمِ عِلَّةً لَهُ.

وَهَذَا الْقِسْمُ عَلَى أَصْنَافٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّارِعَ إِمَّا أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ أَوْ بَعْدَ السُّؤَالِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ فَهُوَ (الصِّنْفُ الْأَوَّلُ) وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ الْجِنِّ، حَيْثُ تَوَضَّأَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَاءٍ كَانَ قَدْ نَبَذَ فِيهِ تُمَيْرَاتٍ لِاجْتِنَابِ مُلُوحَتِهِ فَقَالَ: ( «ثَمَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» ) (١) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُهُ ضَائِعًا ; لِكَوْنِ مَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى بَيَانٍ.

وِإِنْ كَانَ مَعَ السُّؤَالِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ الْوَصْفَ فِي مَحَلِّ السُّؤَالِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ السُّؤَالِ فَهُوَ (الصِّنْفُ الثَّانِي) وَذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ جَوَازِ بِيعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَيُنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: فَلَا إِذًا» " (٢) فَهَذَا وَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ النُّقْصَانَ عِلَّةُ امْتِنَاعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِنْ تَرْتِيبِهِ الْحُكْمَ عَلَى الْوَصْفِ بِالْفَاءِ وَاقْتِرَانِهِ بِحَرْفِ (إِذَا) وَهِيَ مِنْ صِيَغِ التَّعْلِيلِ غَيْرَ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا انْتِفَاءَ هَذَيْنِ لَبَقِيَ فَهْمُ التَّعْلِيلِ بِالنُّقْصَانِ بِحَالِهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَدِّرِ التَّعْلِيلَ بِهِ لَكَانَ ذِكْرُهُ وَالِاسْتِفْسَارُ عَنْهُ غَيْرَ مُفِيدٍ.

وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ السُّؤَالِ، وَهُوَ أَنْ يَعْدِلَ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ إِلَى ذِكْرِ نَظِيرٍ لِمَحَلِّ السُّؤَالِ، فَهُوَ (الصِّنْفُ الثَّالِثُ) ، وَذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَمَّا


(١) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنَّ: عِنْدَكَ طَهُورٌ، قَالَ: لَا، إِلَّا شَيْءٌ مِنْ نَبِيذٍ فِي إِدَاوَةٍ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ثَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ: فَتَوَضَّأَ مِنْهُ. وَفِي سَنَدِهِ أَبُو زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَفِي سَنَدِهِ أَيْضًا أَبُو فَزَارَةَ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَأُعِلَّ أَيْضًا بِالِاخْتِلَافِ فِي حُضُورِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ الْجِنِّ
(٢) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ تَعْلِيقًا ص ٢٣٧ ج ٢، انْظُرْ تَفْصِيلَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>