للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ " إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكْرَارِ الدُّخُولِ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ " إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلُّوا " وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جِنْسِ مَا تَقَدَّمَ، لِمَا فِيهِ مِنْ قِيَاسِ الْأَمْرِ عَلَى إِنْشَاءِ الطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِأَمْرٍ.

الثَّالِثَةُ: أَنَّ اللَّفْظَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ إِلَّا عَلَى تَعْلِيقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْلِيقِهِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ صُورَةٍ، أَوْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمُشْعِرُ بِالْأَعَمِّ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُشْعِرًا بِالْأَخَصِّ.

وَحَاصِلُ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَيْضًا يَرْجِعُ إِلَى مَحْضِ الدَّعْوَى بِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُضَافَ إِلَى الشَّرْطِ أَوِ الصِّفَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اقْتِضَاءُ التَّكْرَارِ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ أَوِ الصِّفَةِ، وَهُوَ عَيْنُ مَحَلِّ النِّزَاعِ.

وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مُشْعِرٌ بِالْأَعَمِّ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ إِشْعَارِهِ بِالْأَخَصِّ.

وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ، أَنْ يُقَالَ لَوْ وَجَبَ التَّكْرَارُ لَمْ يَخْلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لَهُ نَفْسُ الْأَمْرِ أَوِ الشَّرْطِ أَوْ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ، لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ لِمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَا بِالثَّانِي لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْمَشْرُوطِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ، بَلْ إِنَّمَا تَأْثِيرُهُ فِي انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَحَيْثُ قِيلَ بِمُلَازَمَةِ الْمَشْرُوطِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ " إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ " إِنَّمَا كَانَ لِضَرُورَةِ وُجُودِ الْمُوجَبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " أَنْتِ طَالِقٌ " لَا لِنَفْسِ دُخُولِ الدَّارِ، وَإِلَّا كَانَ دُخُولُ الدَّارِ مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالثَّالِثِ، لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ " إِذَا دَخَلْتِ السُّوقَ فَاشْتَرِ لَحْمًا " أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ تَحَقُّقِ الْمُوجِبِ لِلتَّكْرَارِ، أَوْ لَا مَعَ تَحَقُّقِهِ: لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ.

وَإِلَّا فَانْتِفَاءُ التَّكْرَارِ إِمَّا لِمُعَارِضٍ، أَوْ لَا لِمُعَارِضٍ، وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُعَارَضَةِ وَتَعْطِيلِ الدَّلِيلِ عَنْ أَعْمَالِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الثَّانِي، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ مِنْ وُجُوهٍ.

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوَامِرُ مُتَعَلِّقَةٌ بِشُرُوطٍ وَصِفَاتٍ وَهِيَ مُتَكَرِّرَةٌ بِتَكَرُّرِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الْآيَةُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِلتَّكْرَارِ لَمَا كَانَ مُتَكَرِّرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>