وَبَيَانُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
الْمُعَارَضَةُ الْأُولَى: أَنَّ مَجْمُوعَ الْأَوْصَافِ إِذَا كَانَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ فَالْعِلِّيَّةُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ، وَدَلِيلُهُ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّا نَعْقِلُ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ مِنَ الْأَوْصَافِ وَنَجْهَلُ كَوْنَهَا عِلَّةً وَالْمَعْلُومُ غَيْرُ الْمَجْهُولِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ مِنَ الْأَوْصَافِ عِلَّةٌ فَنَصِفُهَا بِهَا، وَالصِّفَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ صِفَةُ الْعِلِّيَّةِ بِتَمَامِهَا قَائِمَةً بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوْصَافِ أَوْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ أَنَّهَا مَعَ اتِّحَادِهَا قَائِمَةٌ بِالْمَجْمُوعِ، كُلُّ بَعْضٍ مِنْهَا قَائِمٌ بِوَصْفٍ.
لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ وَإِلَّا كَانَ كُلُّ وَصْفٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ الْأَوْصَافِ وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ، كَيْفَ وَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ كَمَا يَأْتِي.
وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي: فَالْعِلَّةُ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ صِفَةُ الْعِلِّيَّةِ لَا مَجْمُوعُ الْأَوْصَافِ، وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ الْفَرْضِ.
وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّالِثِ ; لِأَنَّ صِفَةَ الْعِلِّيَّةِ مُتَّحِدَةٌ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَدُّدُ الْمُتَّحِدِ لِقِيَامِهِ بِالْمُتَعَدِّدِ أَوِ اتِّحَادُ الْمُتَعَدِّدِ وَهُوَ مُحَالٌ.
الْمُعَارَضَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْعِلِّيَّةُ صِفَةً لِأَوْصَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ كُلِّ وَصْفٍ مِنْهَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِعَدَمِ صِفَةِ الْعِلِّيَّةِ ضَرُورَةَ انْتِفَائِهَا عِنْدَ عَدَمِهِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِذَا انْتَفَتْ جَمِيعُ الْأَوْصَافِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ كُلِّ وَصْفٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ أَوِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، أَوْ أَنَّهُ لَا وَاحِدَ مِنْهَا مُسْتَقِلٌّ بَلِ الْمُسْتَقِلُّ الْجَمِيعُ.
لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ ; لِأَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِ عَدَمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوْصَافِ بِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ لَا مَعْنَى لَهُ سِوَى أَنَّهُ الْمُفِيدُ لِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي، لِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِاخْتِصَاصِ الْبَعْضِ بِذَلِكَ دُونَ الْبَعْضِ.