للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: الْعِلَّةُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ أَوِ الْكُلُّ (عِلَّةٌ) وَاحِدَةٌ ذَاتُ أَوْصَافٍ، أَوْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.

لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ وَإِلَّا فَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَوْ مُبْهَمَةٌ: الْقَوْلُ بِالتَّعْيِينِ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ خُرُوجِ الْبَاقِي عَنِ التَّعْلِيلِ مَعَ اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِهِ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ الْإِبْهَامُ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَيْضًا، فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الِاسْتِقْلَالُ.

وَدَلِيلُ ثُبُوتِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ: الْإِجْمَاعُ عَلَى إِبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا قَتْلًا عَمْدًا عُدْوَانًا، وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَزَنَا مُحْصَنًا وَقَطَعَ الطَّرِيقَ مَعًا، وَعَلَى ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ، وَعَلَى امْتِنَاعِ نِكَاحِ مَنْ أَوْلَدَتْهُ وَأَرْضَعَتْهُ، وَعَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَائِضِ الْمُعْتَدَّةِ الْمُحْرِمَةِ، وَعَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ وَاللَّمْسِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مَعًا.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ لَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالتَّقْسِيمُ فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ، فَعَلَى مَا سَبَقَ.

وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَالْوَجْهُ فِي دَفْعِهَا أَنْ تَقُولَ: أَمَّا إِبَاحَةُ قَتْلِ مَنْ قَتَلَ وَارْتَدَّ وَزَنَى مُحْصَنًا وَقَطَعَ الطَّرِيقَ، فَالْعِلَلُ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مُتَعَدِّدَةً فَالْحُكْمُ أَيْضًا مُتَعَدِّدٌ شَخْصًا وَإِنِ اتَّحَدَ نَوْعًا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ إِبَاحَةِ الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَوْدَةِ عَنِ الرِّدَّةِ إِلَى الْإِسْلَامِ انْتِفَاؤُهَا بِبَاقِي الْأَسْبَابِ الْأُخَرِ، وَلَا مِنَ انْتِفَاءِ الْإِبَاحَةِ بِسَبَبِ إِسْقَاطِ الْقِصَاصِ انْتِفَاؤُهَا بِبَاقِي الْأَسْبَابِ.

وَيَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْحُكْمِ أَيْضًا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِجِهَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ بِجِهَةِ الْخُلُوصِ، وَلِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِسْقَاطِهِ مُطْلَقًا، وَالْإِبَاحَةُ بِجِهَةِ الزِّنَا وَالرِّدَّةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِجِهَةِ الْخُلُوصِ دُونَ الْآدَمِيِّ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ فَالْمُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ بِجِهَةِ الْقَصَاصِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالْمُضَايَقَةِ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْآدَمِيَّ يَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِ حَقِّهِ دُونَ الْبَارِي تَعَالَى.

وَأَمَّا ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ فَمُسْتَنِدَةٌ إِلَى الصِّغَرِ لِسَبْقِهِ عَلَى الْجُنُونِ لِكَوْنِ الْجُنُونِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بَعْدَ حِينٍ، وَكَذَلِكَ امْتِنَاعُ نِكَاحِ الْوَالِدَةِ الْمُرْضِعَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْوِلَادَةِ دُونَ الرَّضَاعِ لِسَبْقِهَا عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>