للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهَ الضَّعِيفِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. (١) أَمَّا الْأَسْئِلَةُ فَأَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مَنَامًا لَا أَصْلَ لَهُ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَمْرُ، وَلِهَذَا قَالَ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ.

سَلَّمْنَا أَنَّ مَنَامَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أُمِرَ.

وَقَوْلُ وَلَدِهِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ أُمِرَ، وَلِهَذَا عَلَّقَهُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ.

وَمَعْنَاهُ افْعَلْ مَا يَتَحَقَّقُ مِنَ الْأَمْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا.

لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالذَّبْحِ حَقِيقَةً بَلْ بِالْعَزْمِ عَلَى الذَّبْحِ امْتِحَانًا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْعَزْمِ، وَذَلِكَ بَلَاءٌ عَظِيمٌ، وَالْفِدَاءُ إِنَّمَا كَانَ عَمَّا يَتَوَقَّعُهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ لَا عَنْ نَفْسِ وُقُوعِ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ، أَوْ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ مِنْ إِخْرَاجِهِ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَأَخْذِ الْمُدْيَةِ وَالْحَبْلِ وَتَلِّهِ لِلْجَبِينِ، فَاسْتَشْعَرَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالذَّبْحِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالذَّبْحِ حَقِيقَةً إِلَّا أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا قَطَعَ جُزْءًا عَادَ مُلْتَحِمًا إِلَى آخِرِ الذَّبْحِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} وَإِذَا كَانَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الذَّبْحِ قَدْ وَقَعَ، فَالْفِدَاءُ لَا يَكُونُ نَسْخًا.

سَلَّمْنَا أَنَّ الذَّبْحَ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ، لَكِنْ قَدْ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَهُ مِنَ الذَّبْحِ بِأَنْ جَعَلَ عَلَى عُنُقِ وَلَدِهِ صَفِيحَةً مِنْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ مَانِعَةً مِنَ الذَّبْحِ لَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِطَرِيقِ النَّسْخِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ مَنَامَ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَحْيٌ مَعْمُولٌ بِهِ، وَأَكْثَرُ وَحْيِ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَنَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ وَحْيَهُ كَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِالْمَنَامِ» ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» " (٢) فَكَانَتْ نِسْبَةُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةٍ مِنْ نُبُوَّتِهِ،


(١) أَيْ وَجْهَ الضَّعْفِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ.
(٢) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>