وَمَعَ احْتِمَالِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ فَلَا يُعَارِضُ قَوْلُهُ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاطِعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ فِي دَعْوَاهُ وَنَسْخِ شَرِيعَةِ مَنْ تَقَدَّمَ.
كَيْفَ وَإِنَّ لَفْظَ التَّأْبِيدِ قَدْ وَرَدَ فِي التَّوْرِيَةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الدَّوَامَ كَقَوْلِهِ: " إِنَّ الْعَبْدَ يُسْتَخْدَمُ سِتَّ سِنِينَ، ثُمَّ يَعْتِقُ فِي السَّابِعَةِ، فَإِنْ أَبَى الْعِتْقَ فَلْتُثْقَبْ أُذُنُهُ وَيُسْتَخْدَمْ أَبَدًا "، وَكَقَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا: " هَذِهِ سُنَّةٌ لَكُمْ أَبَدًا "، وَكَقَوْلِهِ: " قَرِّبُوا كُلَّ يَوْمٍ خَرُوفَيْنِ قُرْبَانًا دَائِمًا ".
وَأَمَّا الْعِيسَوِيَّةُ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ بِصِحَّةِ رِسَالَتِهِ وَصِدْقِهِ فِي دَعْوَاهُ بِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنَ الْمُعْجِزَةِ الْقَاطِعَةِ تَكْذِيبُهُ فِيمَا وَرَدَ بِهِ التَّوَاتُرُ الْقَاطِعُ عَنْهُ بِدَعْوَى الْبَعْثَةِ إِلَى الْأُمَمِ كَافَّةً وَنُزُولِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} ، وَقَالَ فِي وَصْفِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: (هَذَا هُدًى لِلنَّاسِ) ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» "، وَقَوْلُهُ: " «بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً» " (١) ، وَقَوْلُهُ: " «لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» ".
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا اشْتُهِرَ عَنْهُ، وَتَوَاتَرَ مِنْ دُعَائِهِ لِطَوَائِفِ الْجَبَابِرَةِ وَالْأَكَاسِرَةِ، وَتَنْفِيذِهِ إِلَى أَقَاصِي الْبِلَادِ، وَطَلَبِ الدُّخُولِ فِي مِلَّتِهِ، وَالْقِتَالِ لِمَنْ جَاحَدَهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَغَيْرِهِمْ فِي نُبُوَّتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(١) انْظُرْ مَا تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا ص ٢٧٥ ج٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute