للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَلَّمْنَا إِمْكَانَ دُخُولِهِ تَحْتَ مُطْلَقِ الْخِطَابِ لُغَةً إِلَّا أَنَّ الرِّقَّ مُقْتَضٍ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ عُمُومَاتِ الْخِطَابِ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ صَالِحٌ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُكَلَّفٌ بِشَغْلِ جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ بِخِطَابِ الشَّرْعِ، وَحَقُّ السَّيِّدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ السَّيِّدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِ الْعَبْدِ مِنَ التَّطَوُّعِ بِالنَّوَافِلِ مَعَ أَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ، تَعَالَى، وَلَوْلَا أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ مُرَجَّحٌ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّ حَقَّ اللَّهِ - تَعَالَى - مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِ حُقُوقِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِحُصُولِهَا، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالْمُضَايَقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِحُصُولِهِ وَيَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ كَوْنَ الْعَبْدِ مَالًا مَمْلُوكًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ إِلَى جِنْسِ الْبَهَائِمِ، وَإِلَّا لَمَا تَوَجَّهَ نَحْوَ التَّكْلِيفِ بِالْخِطَابِ الْخَاصِّ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

وَعَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّيِّدَ مَالِكٌ لِصَرْفِ مَنَافِعِ الْعَبْدِ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى فِي وَقْتِ تَضَايُقِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، بَلْ فِي غَيْرِهِ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا تَنَاقُضَ.

وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِ الْعَبْدِ عَنْ كَوْنِ الْعُمُومَاتِ مُتَنَاوِلَةً لَهُ لُغَةً لِمَا بَيَّنَاهُ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَالتَّخْصِيصُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنَ الْعُمُومِ لُغَةً.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّخْصِيصِ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِرَفْعِ الْعُمُومِ لُغَةً مَعَ تَحَقُّقِهِ، وَصَارَ كَمَا فِي تَخْصِيصِ الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ عَنِ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْجِهَادِ.

وَعَنِ الرَّابِعِ: بِمَنْعِ تَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ بِمَنَافِعِهِ الْمَصْرُوفَةِ إِلَى الْعِبَادَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا عِنْدَ ضِيقِ أَوْقَاتِهَا كَمَا سَبَقَ، وَالرِّقُّ وَإِنِ اقْتَضَى ذَلِكَ لِمُنَاسَبَتِهِ وَاعْتِبَارِهِ، فَلَا يَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّلَالَةِ النَّصِّيَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِقُوَّةِ دَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَى دَلَالَةِ مَا الْحُجَّةُ بِهِ مُسْتَنِدَةٌ إِلَيْهَا.

وَالنُّصُوصُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاوِلَةً لِلْعَبْدِ بِعُمُومِهَا إِلَّا أَنَّهَا مُتَنَاوِلَةٌ لِلْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ بِخُصُوصِهَا.

وَالرِّقُّ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِحَقِّ السَّيِّدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>