للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَالَمِ، وَلِمَنْ قَلَّدَ فِي قِدَمِهِ وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ كَوْنِ الْعَالَمِ حَادِثًا وَقَدِيمًا.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّقْلِيدُ مُفِيدًا لِلْعَمَلِ فَالْعِلْمُ بِذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا، وَإِلَّا لَمَا خَالَفَ فِيهِ أَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ خَلَا الْإِنْسَانُ وَدَوَاعِي نَفْسِهِ مِنْ مَبْدَأِ نَشْئِهِ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ أَصْلًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدَّلِيلِ الْمُفْضِي إِلَيْهِ، فَمَنِ ادَّعَاهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانِهِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْوُجُوهِ الْأُوَلِ: أَنَّ التَّقْلِيدَ مَذْمُومٌ شَرْعًا، فَلَا يَكُونُ جَائِزًا، غَيْرَ أَنَّا خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْعَامِّيِّ لِلْمُجْتَهِدِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الصُّوَرِ فِيمَا سَبَقَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلِاتِّبَاعِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَنَبْقَى عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَبَيَانُ ذَمِّ التَّقْلِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمٍ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ لَهُمْ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ مِنْ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّظَرَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِوُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَدَلِيلُ النَّهْيِ عَنْهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} وَالنَّظَرُ يُفْضِي إِلَى فَتْحِ بَابِ الْجِدَالِ، فَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى الصَّحَابَةَ لَمَّا رَآهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ وَقَالَ: " إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لِخَوْضِهِمْ فِي هَذَا» " (١) ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «عَلَيْكُمْ بِدِينِ الْعَجَائِزِ» " (٢) وَهُوَ تَرْكُ النَّظَرِ، وَلَوْ كَانَ النَّظَرُ وَاجِبًا لَمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ.


(١) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ قَالَ: فَكَأَنَّمَا تَفَقَّأَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَبِ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ. . . إِلَخْ.
(٢) لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ رَوَى الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ وَاخْتَلَفَتِ الْأَهْوَاءُ فَعَلَيْكُمْ بَدِينِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالنِّسَاءِ "، وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الدَّيْلَمَانِيِّ؛ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَقَالَ الْقَارِيُّ وَالصَّغَانِيُّ: مَوْضُوعٌ. انْظُرِ (الْجَامِعَ الصَّغِيرَ) لِلسُّيُوطِيِّ، وَ (كَشْفَ الْخَفَاءِ) لِلْعَجْلُونِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>