الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْخَوْضُ وَالنَّظَرُ فِي الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ مُطْلَقًا، وَلَوْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ عَنْهُمُ النَّظَرُ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَاجِبًا لَكَانُوا أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى زَمَنِنَا هَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ مِنَ الْعَوَامِّ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ، مَعَ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ الْخَلْقِ، بَلْ كَانُوا حَاكِمِينَ بِإِسْلَامِهِمْ مُقِرِّينَ لَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ.
الرَّابِعُ: لَوْ كَانَ النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبًا، فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ عَلَى الْعَارِفِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الْعَارِفِ؛ الْأَوَّلُ: مُحَالٌ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلٍ.
وَالثَّانِي: يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْلُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاجِبًا، ضَرُورَةُ تَوَقُّفِ النَّظَرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَوَقُّفُ مَعْرِفَةِ إِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْرِفَةِ ذَاتِهِ، وَمَعْرِفَةِ ذَاتِهِ عَلَى النَّظَرِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى إِيجَابِهِ وَهُوَ دَوْرٌ.
الْمُعَارَضَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ وَاضْطِرَابِ الْآرَاءِ وَالْخُرُوجِ إِلَى الضَّلَالِ، بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ، فَكَانَ سُلُوكُ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى السَّلَامَةِ أَوْلَى، وَلِهَذَا صَادَفْنَا أَكْثَرَ الْخَلْقِ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ أَدِلَّةَ الْأُصُولِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْغُمُوضِ وَالْخَفَاءِ أَشَدُّ مِنْ أَدِلَّةِ الْفُرُوعِ، فَإِذَا جَازَ التَّقْلِيدُ فِي الْفُرُوعِ مَعَ سُهُولَةِ أَدِلَّتِهَا، دَفْعًا لِلْحَرَجِ، فَلِأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ أَوْلَى.
الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ قَدِ اسْتَوَيَا فِي التَّكْلِيفِ بِهِمَا، وَقَدْ جَازَ التَّقْلِيدُ فِي الْفُرُوعِ فَكَذَلِكَ فِي الْأُصُولِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى بِمَنْعِ النَّهْيِ عَنِ النَّظَرِ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا إِنَّمَا هُوَ الْجِدَالُ بِالْبَاطِلِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} دُونَ الْجِدَالِ بِالْحَقِّ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute