للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَحْنُ إِنَّمَا نَقُولُ بِاتِّبَاعِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ مَعَ عَدَمِ الظَّفَرِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُكْمِ الْوَاقِعَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: قَالُوا: أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الصَّحَابَةِ الْمُجْتَهِدِينَ لِلْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اتِّبَاعُ الْآخَرِ وَهُوَ مُحَالٌ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ مُجْتَهِدَةِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، لَا مُجْتَهِدَةِ الصَّحَابَةِ (١) ، فَلَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ دَلِيلًا عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الصَّحَابِيَّ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْخَطَأُ مُمْكِنٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى التَّابِعِ الْمُجْتَهِدِ الْعَمَلُ بِمَذْهَبِهِ كَالصَّحَابِيَّيْنِ وَالتَّابِعِيَّيْنِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنِ امْتِنَاعِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ عَلَى صَحَابِيٍّ مِثْلِهِ وَامْتِنَاعِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمَذْهَبِ التَّابِعِيِّ عَلَى تَابِعِيٍّ مِثْلِهِ، امْتِنَاعُ وُجُوبِ عَمَلِ التَّابِعِيِّ بِمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ» ) (٢) ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ " (٣) وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ.


(١) لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِلْمِ وَالتَّقْوَى لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْأَعْلَمِ الْأَتْقَى حُجَّةً عَلَى مَنْ دُونَهُ لِمَا سَيَأْتِي.
(٢) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ طُرُقٍ أَقْرَبُهَا إِلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: " خَيْرُ النَّاسِ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ "، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مُسْتَنَدٌ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى حُجَّةِ النُّفَاةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالتَّقْوَى لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ دُونَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْدَهُمْ.
(٣) رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مَسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ النَّصِيبِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَمْزَةُ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، وَفِي سَنَدِهِ جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ، وَهُوَ كَذَّابٌ، وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ. وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ: هَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ. انْظُرْ تَفْصِيلَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنَ التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>