فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: هَذَا مُنْتَقِضٌ عَلَى أَصْلِكَ بِالْعَرَايَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا.
وَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يُبَيِّنَ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مُنَاسِبًا يَقْتَضِي النَّفْيَ، مَنْ مَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ مَعَ قِرَانِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَى أَصْلِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: النَّقْضُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَارِضِ لِدَلِيلِ الْعِلَّةِ، فَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَذْهَبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِ الْعِلَّةِ الْمُعَلَّلِ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَلَا يَقَعُ فِي مُعَارَضَةِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُسْتَثْنَى لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلَا يُنَاقَضُ بِهِ، كَمَا فِي صُورَةِ الْعَرَايَا الْمَذْكُورَةِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ إِبْدَاءُ النَّقْضِ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَرِضِ لَا غَيْرَ، وَتَوْجِيهُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا الْوَصْفُ مِمَّا لَمْ يَطَّرِدْ عَلَى أَصْلٍ، فَلَا يَلْزَمُنِي الِانْقِيَادُ إِلَيْهِ.
وَجَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ: مَا ذَكَرْتَهُ حُجَّةٌ عَلَيْكَ فِي الصُّورَتَيْنِ، إِذْ هِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَمَذْهَبُكَ فِي صُورَةِ النَّقْضِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي دَرْءِ الِاحْتِجَاجِ وَإِلَّا كَانَ حُجَّةً فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ الِاحْتِرَازُ فِي دَلِيلِهِ عَنِ النَّقْضِ؟ اخْتَلَفُوا.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ لِقُرْبِهِ مِنَ الضَّبْطِ وَبُعْدِهِ عَنِ النَّشْرِ وَالْخَبْطِ؛ وَلِأَنَّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُسْتَدِلُّ مِنَ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ إِذَا كَانَ مُنْتَقِضًا.
فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ لَا لِمُعَارِضٍ أَوْ لِمُعَارِضٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَكُونُ الْوَصْفُ عِلَّةً لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِلْعِلَّةِ مُعَارِضًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَفْيِهِ فِي الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاظِرَ تِلْوَ النَّاظِرِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ الْجَزْمُ بِالْحُكْمِ عِنْدَ ظُهُورِ سَبَبِهِ دُونَ ظُهُورِ انْتِفَاءِ مُعَارِضِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُنَاظِرُ، غَيْرَ أَنَّا أَسْقَطْنَا عَنْهُ كُلْفَةَ نَفْيِ الْمُعَارِضِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِعُسْرِ نَفْيِهِ، فَبَقِينَا فِيمَا عَدَاهُ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ تَمَسُّكًا مِنْهُ بِأَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَنِ النَّقْضِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ أَوْ خَارِجًا عَنْهَا،