للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَ الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ لِإِمْكَانِ تَنْزِيلِ لَفْظِ النَّبِيِّينَ عَلَى عُمُومِهِ بِخِلَافِ التَّنْزِيلِ عَلَى الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ، كَيْفَ وَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مُتَعَارِضَةٌ وَالْعَمَلَ بِجَمِيعِهَا مُمْتَنِعٌ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِالْبَعْضِ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ. (١) وَعَنِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ: وَهُوَ رُجُوعُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى التَّوْرَاةِ فِي رَجْمِ الْيَهُودِيِّ مَا سَبَقَ.

وَعَنِ الْخَبَرِ الثَّانِي: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كِتَابَنَا غَيْرُ مُشْتَمِلٍ عَلَى قِصَاصِ السِّنِّ بِالسِّنِّ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وَهُوَ عَامٌّ فِي السِّنِّ وَغَيْرِهِ.

وَعَنِ الْخَبَرِ الثَّالِثِ: أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْخِطَابَ مَعَ مُوسَى لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ عِنْدَ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ أُمَّتَهُ مَأْمُورَةٌ بِذَلِكَ، كَمَا أُمِرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

ثُمَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ النَّقْلِ مَعَارَضٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» " وَكُلُّ نَبِيٍّ بُعِثَ إِلَى قَوْمِهِ (٢) ، وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَقْوَامِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَبَّدًا بِشَرْعِهِمْ وَبِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ «رَأَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ


(١) كَيْفَ وَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مُتَعَارِضَةٌ وَالْعَمَلَ بِجَمِيعِهَا مُمْتَنِعٌ. . إِلَخْ، هَذَا مَسْلَكٌ سَيِّئٌ، وَجَدَلٌ مَمْقُوتٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرْبِ آيَاتِ اللَّهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ اسْتَوْلَتِ الْحَيْرَةُ وَالشُّكُوكُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ أُولِعَ بِالْجَدَلِ حَتَّى تَرَكُوا النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ إِلَى مَا يَزْعُمُونَهُ أَدِلَّةً عَقْلِيَّةً قَاطِعَةً، وَقَدْ تَكُونُ أَوْهَامًا وَخَيَالًا، وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهَا وَآثَرُوهَا عَلَى النُّصُوصِ، فَازْدَادُوا حَيْرَةً وَاخْتِلَافًا بَيْنَهُمْ وَتَنَاقُضًا فِي آرَائِهِمْ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.
(٢) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا: بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا. . " إِلَخْ. انْظُرْ طُرُقَهُ وَاخْتِلَافَ مُتُونِهِ فِي بَابِ عُمُومِ بَعْثَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابِ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ص ٢٥٧ ج ٢، ص ٩ ج ٤ أَنَّ مَعْنَاهُ مَرْوِيٌّ فِي الصَّحِيحَيْنِ، بَلْ ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>