وَالْمَفْهُومِ، وَالِاقْتِضَاءِ، وَالْإِشَارَةِ، وَالتَّنْبِيهِ، وَالْإِيمَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ اسْتِثْمَارُ الْحُكْمِ مِنْ دَلِيلِهِ.
وَذَلِكَ كُلُّهُ أَيْضًا إِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الْمُتَصَدِّي لِلْحُكْمِ وَالْفَتْوَى فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ.
وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي حُكْمِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ، فَيَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهَا، وَلَا يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ جَهْلُهُ بِمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِبَاقِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ قَدْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَكَثِّرَةِ بَالِغًا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِبَعْضِ الْمَسَائِلِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ أَحْكَامِ الْمَسَائِلِ وَمَدَارِكِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وُسْعِ الْبَشَرِ.
وَلِهَذَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً فَقَالَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا: " لَا أَدْرِي ".
وَأَمَّا مَا فِيهِ الِاجْتِهَادُ، فَمَا كَانَ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ دَلِيلُهُ ظَنِّيٌّ.
فَقَوْلُنَا: (مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ) تَمْيِيزٌ لَهُ عَمَّا كَانَ مِنَ الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَوْلُنَا: (دَلِيلُهُ ظَنِّيٌّ) تَمْيِيزٌ لَهُ عَمَّا كَانَ دَلِيلُهُ مِنْهَا قَطْعِيًّا كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا يُعَدُّ آثِمًا، وَالْمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِيَّةُ مَا لَا يُعَدُّ الْمُخْطِئُ فِيهَا بِاجْتِهَادِهِ آثِمًا. (١) هَذَا مَا أَرَدْنَاهُ مِنْ بَيَانِ الْمُقَدِّمَةِ. . .، وَأَمَّا الْمَسَائِلُ فَاثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً.
(١) انْظُرْ ص ٢٠٢، ٢٠٤ جـ٢٠ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute