للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَقُّ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لَمَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ اتِّبَاعُ مَا أَوْجَبَهُ ظَنُّهُ، وَلَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَا يَأْمُرُ بِالْخَطَإِ، وَحَيْثُ كَانَ مَأْمُورًا بِاتِّبَاعِهِ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ صَوَابًا.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَرْجِيحِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَابِلَةِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْحُكْمِ وَلَا نَفْيِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنِ التَّرْجِيحِ، فَالدَّلِيلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ قَائِمٌ، فَكَانَ حَقًّا.

السَّادِسُ: أَنَّ حَصْرَ الْحَقِّ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا يُفْضِي إِلَى الضِّيقِ وَالْحَرَجِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .

السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ مُخْطِئًا لَمَا عَلِمَ كَوْنَهُ مَغْفُورًا لَهُ، وَاللَّازِمُ مُمْتَنِعٌ.

وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ لَا يَجُوزَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا، أَوْ يَجُوزَ كَوْنُهُ مُخْطِئًا.

الْأَوَّلُ: مُحَالٌ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّخْطِئَةِ لَمْ يُعَيِّنِ الْخَطَأَ فِي وَاحِدٍ، بَلْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ قَائِلًا بِالنَّفْيِ أَوِ الْإِثْبَاتِ.

وَالثَّانِي: فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَعْلَمَ مَعَ تَجْوِيزِ كَوْنِهِ مُخْطِئًا أَنَّهُ قَدِ انْتَهَى فِي النَّظَرِ إِلَى الرُّتْبَةِ الَّتِي يُغْفَرُ لَهُ بِتَرْكِ مَا بَعْدَهَا أَوْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ.

الْأَوَّلُ: مُحَالٌ، فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُمَيِّزُ مَا بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُجَوِّزٌ لِتَرْكِ النَّظَرِ الَّذِي إِذَا أَخَلَّ بِهِ بَعْدَ النَّظَرِ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ لَا يَكُونُ مَغْفُورًا لَهُ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ثَوَابِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ وَغُفْرَانِ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنَ النَّظَرِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ: أَنَّ غَايَتَهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُوتِيَ حُكْمًا وَعِلْمًا، وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَيُخَصُّ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُوتِيَ حُكْمًا وَعِلْمًا فِيمَا حَكَمَ بِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أُوتِيَ حُكْمًا وَعِلْمًا بِمَعْرِفَةِ دَلَالَاتِ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا وَطُرُقِ الِاسْتِنْبَاطِ، فَلَا يَبْقَى حُجَّةً فِي غَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>