فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَاعْتِقَادُهُ لِحُكْمِ الدَّلِيلِ الْمَرْجُوحِ مُمْتَنِعٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَاعْتِقَادُهُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ مَعًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مُحَالٌ.
وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، أَوِ التَّرَدُّدَ وَالشَّكَّ كَتَرَدُّدِ الشَّافِعِيِّ فِي التَّسْمِيَةِ: هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ؟ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِحُّ مَعَهُ نِسْبَةُ الْقَوْلَيْنِ إِلَيْهِ.
وَلِهَذَا فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ لَا يُقَالُ: إِنَّ لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ أَقْوَالًا.
وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ وَتَرَدَّدَ فِيهِ لَا يُقَالُ لَهُ فِيهِ أَقْوَالٌ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ ذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ) عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ فِيهَا دَلِيلَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ، وَلَا مَوْجُودَ سِوَاهُمَا إِمَّا نَصَّانِ أَوِ اسْتِصْحَابَانِ، كَمَا إِذَا أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَبْدًا غَائِبًا مُنْقَطِعَ الْخَبَرِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ وَالْأَصْلَ بَقَاءُ اشْتِغَالِ الذِّمَّةِ أَوْ أَصْلَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُشَابِهَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْلَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِلٌ، فَقَوْلُهُ بِوُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَهَذَا قَوْلَانِ لَكِنَّهُ لَيْسَ قَوْلًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مَنْقُولًا، فَذَلِكَ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي صُورَتَيْنِ مُتَنَاظِرَتَيْنِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَظْهَرَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَارِقٌ أَوْ لَا يَظْهَرَ، فَإِنْ ظَهَرَ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ فَالنَّقْلُ يَكُونُ مُمْتَنِعًا.
وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ وَكَانَ الْإِمَامُ قَدْ نَصَّ عَلَى حُكْمِ الصُّورَتَيْنِ فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي وَقْتَيْنِ أَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتَيْنِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّارِيخُ مَعْلُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ، فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا فَتَنْصِيصُهُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَخِيرِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ مِثْلِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا أَوَّلًا، ضَرُورَةَ عَدَمِ الْفَرْقِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ رُجُوعُهُ عَنِ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّارِيخُ مَعْلُومًا فَيَجِبُ اعْتِقَادُ اشْتِرَاكِ الصُّورَتَيْنِ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ آخِرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِعَيْنِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ.
وَأَمَّا إِنْ نَصَّ عَلَى حُكْمَيِ الصُّورَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ عُرِفَ مَا فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute