للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمٍ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ لِلتَّقْلِيدِ، وَالْمَذْمُومُ لَا يَكُونُ جَائِزًا.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» " (١) ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «اجْتَهِدُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» " (٢) ، وَالنَّصَّانِ عَامَّانِ فِي الْأَشْخَاصِ وَفِي كُلِّ عِلْمٍ، وَهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَامِّيَّ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِالتَّقْلِيدِ فَلَا يُأْمَنُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَلَّدَهُ مُخْطِئًا، وَأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ، فَيَكُونُ الْعَامِّيُّ مَأْمُورًا بِاتِّبَاعِ الْخَطَإِ وَالْكَذِبِ، وَذَلِكَ عَلَى الشَّارِعِ مُمْتَنِعٌ.

الثَّانِي: أَنَّ الْفُرُوعَ وَالْأُصُولَ مُشْتَرِكَةٌ فِي التَّكْلِيفِ بِهَا، فَلَوْ جَازَ التَّقْلِيدُ فِي الْفُرُوعِ لِمَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ لَجَازَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الْأُولَى: أَنَّهَا مُشْتَرِكَةُ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ النَّظَرَ أَيْضًا وَالِاجْتِهَادَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ قَوْلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ.

وَلَا بُدَّ مِنْ سُلُوكِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ امْتِنَاعِ أَحَدِهِمَا كَيْفَ وَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ تَقْلِيلًا لِتَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ.


(١) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُثْمَانُ هَذَا قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مَجْهُولٌ وَلَا يُقْبَلُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ إِلَّا مَا رَوَاهُ عَنْهُ الْقُدَمَاءُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَالدَّسْتَوَائِيُّ وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ رَوَوْا عَنْهُ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِي سَنَدِهِ يَحْيَى بْنُ هَاشِمٍ السِّمْسَارُ كَذَّابٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، ضَعِيفٌ جِدًّا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ ضَعِيفٌ جِدًّا. انْظُرْ كِتَابَ الْعِلْمِ مِنْ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ.
(٢) تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا ص ٢٠٩ ج٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>