للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي قَوْلِهِ: " «إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» " (١) وَمَا رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ «يُصْبِحُ جُنُبًا وَهُوَ صَائِمٌ» (٢) عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ» " (٣) ؛ لِكَوْنِهَا أَعْرَفَ بِحَالِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَانُوا لَا يَعْدِلُونَ إِلَى الْآرَاءِ وَالْأَقْيِسَةِ إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنِ النُّصُوصِ وَالْيَأْسِ مِنْهَا، وَمَنْ فَتَّشَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَنَظَرَ فِي وَقَائِعِ اجْتِهَادَاتِهِمْ عَلِمَ عِلْمًا لَا يَشُوبُهُ رَيْبٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ مِنَ الظَّنَّيْنِ دُونَ أَضْعَفِهِمَا.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا تَقْرِيرُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا عَلَى تَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ (٤) ، وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ رَاجِحًا، فَالْعُقَلَاءُ يُوجِبُونَ بِعُقُولِهِمُ الْعَمَلَ بَالرَّاجِحِ.

وَالْأَصْلُ تَنْزِيلُ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْزِلَةَ التَّصَرُّفَاتِ الْعُرْفِيَّةِ.

وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» ". (٥) فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا النَّصُّ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} أَمْرٌ بِالِاعْتِبَارِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.


(١) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ، انْظُرْ (تَلْخِيصَ الْحَبِيرِ) .
(٢) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعِ أَهْلِهِ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثٍ لِأُمِّ سَلَمَةَ: وَلَا يَقْضِي، وَزَادَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ.
(٣) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَقَدْ رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَنْسُوخٌ.
(٤) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ تَعْلِيقًا.
(٥) هَذَا أَثَرٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرَ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَاتِهِ. . . إِلَخْ، انْظُرْ ص ١٥٦ج ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>