التَّاسِعُ وَالثَلَاثُونَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمَنْقُولَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ إِجْمَاعًا وَالْآخَرُ نَصًّا (١) ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ فَالْإِجْمَاعُ مُرَجَّحٌ؛ لِأَنَّ النُّسَخَ مَأْمُونٌ فِيهِ بِخِلَافِ النَّصِّ.
الْأَرْبَعُونَ: أَنْ يَكُونَا إِجْمَاعَيْنِ ظَاهِرَيْنِ إِلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ دَخَلَ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَالْآخَرِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، فَالَّذِي دَخَلَ فِيهِ الْجَمِيعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ وَأَبْعَدُ عَنِ الْخِلَافِ فِيهِ.
الْحَادِيُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدْ دَخَلَ فِيهِ مَعَ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ لَيْسُوا أُصُولِيِّينَ وَالْأُصُولِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا فُقَهَاءَ وَخَرَجَ عَنْهُ الْعَوَامُّ، وَالْآخَرُ بِالْعَكْسِ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقُرْبِهِمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِحَاطَةِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنْ مَدَارِكِهَا، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ أَيْضًا مَا دَخَلَ فِيهِ الْأُصُولِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَلَمْ يَدْخُلِ الْفَقِيهُ أَوْلَى مِمَّا هُوَ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِيَّ أَعْرَفُ بِمَدَارِكِ الْأَحْكَامِ وَكَيْفِيَّةِ تَلَقِّي الْأَحْكَامِ مِنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدْ دَخَلَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ الْمُبْتَدِعُ الَّذِي لَيْسَ بِكَافِرٍ بِخِلَافِ الْآخَرِ، فَمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ الْمُبْتَدِعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ، وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الْخِلَافِ.
الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدْ دَخَلَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ الْمُبْتَدِعُ دُونَ الْعَوَامِّ وَالْفُرُوعِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا أُصُولِيِّينَ وَالْأُصُولِيُّونَ الَّذِينَ لَيْسُوا فُرُوعِيِّينَ وَالْآخَرُ بِعَكْسِهِ، فَمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُبْتَدَعُ أَوْلَى إِذَا الْخَلَلُ فِي قَوْلِهِ: " إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ كَذِبِهِ فِيمَا يَقُولُ " وَالْخَلَلُ فِي قَوْلِ مَنْ عَدَاهُ مِنَ الْمَذْكُورِينَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جَهْلِهِ وَعَدَمِ إِحَاطَتِهِ وَعَدَمِ كَمَالِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ احْتِمَالَ وُقُوعِ الْخَلَلِ بِجِهَةِ الْكَذِبِ مِنَ الْفَاسِقِ لِحُرْمَتِهِ وَتَعَلُّقِ الْإِثْمِ بِهِ أَنْدَرُ مِنَ الْخَلَلِ النَّاشِئِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الْإِحَاطَةِ.
(١) لَا يُوجَدُ إِجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ يُنَاقِضُ نَصًّا صَحِيحًا إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَ الْإِجْمَاعِ نَصٌّ صَحِيحٌ مَعْلُومٌ لِلْأُمَّةِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ النَّصِّ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ، وَإِذَا خَالَفَ الْإِجْمَاعُ الظَّنِّيُّ نَصًّا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قُدِّمَ النَّصُّ عَلَيْهِ، انْظُرْ ص ٢٠١ - ٢٠٢، ص ٢٦٧ وَمَا بَعْدَهَا ج ١٩ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute