للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْوِيلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَإِبْطَالِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَتَنَاوَلُ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ بِخُصُوصِهِ وَالْمَنْقُولَ يَتَنَاوَلُهُ بِعُمُومِهِ، وَالْخَاصَّ أَقْوَى مِنَ الْعَامِّ.

فَإِنْ قِيلَ: إِلَّا أَنَّ الْعُمُومَ أَصْلٌ وَالْقِيَاسَ فَرْعٌ وَالْأَصْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ.

وَأَيْضًا فَإِنْ تَطَرَّقَ الْخَلَلُ إِلَى الْعُمُومِ أَقَلَّ مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى الْقِيَاسِ، عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، فَكَانَ أَوْلَى.

قُلْنَا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ مَا قِيلَ بِتَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ هُوَ أَصْلُ ذَلِكَ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْعًا لِذَلِكَ الْعَامِّ بِعَيْنِهِ فَهُوَ فَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ.

قُلْنَا: إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ، وَإِلَّا لِمَا جَازَ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِكَوْنِهِ فَرْعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَى مَا سَبَقَ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّرْجِيحِ الثَّانِي فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّ الْعَامَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي الْعُمُومِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَيَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ، وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَغْلَبُ مِنِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ مِنَ الْمُتَبَحِّرِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى.

وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّهُ مَا مِنْ عَامٍّ إِلَّا وَهُوَ مَخْصُوصٌ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وَلَا كَذَلِكَ الْقِيَاسُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>