الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ، لَكِنْ فِي عَدَمِ التَّوَعُّدِ عَلَى مُتَابَعَةِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ اتِّبَاعِهِمْ.
سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَمُ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ سَبِيلَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا وُجِدَ مِنَ الْإِجْمَاعِ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ حُجَّةٌ، سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ، لَكِنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ عَالِمٍ وَجَاهِلٍ، وَالْجُهَّالُ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي الْإِجْمَاعِ الْمُتَّبَعِ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ فَالْآيَةُ غَيْرُ دَالَّةٍ عَلَيْهِ.
سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي أَيِّ عَصْرٍ اتَّفَقَ، لَكِنَّ لَفْظَ (السَّبِيلِ) مُفْرَدٌ لَا عُمُومَ فِيهِ فَلَا يَقْتَضِي اتِّبَاعَ كُلِّ سَبِيلٍ سَلَّمْنَا عُمُومَهُ، لَكِنَّهُ مِمَّا يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَى مُتَابَعَةِ كُلِّ سَبِيلٍ وَإِلَّا لَوَجَبَ مُتَابَعَةُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فِيمَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ ; لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ وَلَا يَجِبُ لِحُكْمِهِمْ عَلَيْهِ بِالْإِبَاحَةِ.
وَلَوَجَبَ اتِّبَاعُهُمْ فِي إِجْمَاعِهِمْ قَبْلَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَاتِّبَاعُهُمْ فِي امْتِنَاعِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ مَحْضٌ (١) .
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُتَابَعَةَ سَبِيلِهِمْ فِي مُتَابَعَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَرْكِ مُشَاقَّتِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اتِّبَاعَ سَبِيلِهِمْ فِي الْإِيمَانِ وَاعْتِقَادَ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ اتِّبَاعَ سَبِيلِهِمْ فِي الِاجْتِهَادِ دُونَ التَّقْلِيدِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، كَيْفَ وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ ; لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَمَلِ بِاللَّفْظِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى مُتَابَعَتِهِمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَكَانَ ذَلِكَ خَاصًّا بِمَا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِاسْتِحَالَةِ الِاحْتِجَاجِ بِالْإِجْمَاعِ فِي زَمَانِهِ
(١) يُقَالُ: لَا تُنَاقُضَ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ، فَإِنَّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ قَبْلَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُكْمٍ فِيهَا، وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا كَانَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُكْمِهَا فَاخْتَلَفَ الْحَالُ فِي الْإِجْمَاعَيْنِ، وَيَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ عَلَى الْجَوَازِ إِلَى أَنْ يَتِمَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحُكْمِ، وَاتِّبَاعُهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ الثَّانِي عَلَى تَحْرِيمِ الِاجْتِهَادِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْحُكْمِ، فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْإِجْمَاعَيْنِ، وَلَا بَيْنَ وُجُوبِ اتِّبَاعِهِمْ فِيهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute