الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَ الْجَمَاعَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَفَاةُ النَّبِيِّ شَرْطٌ فِي اسْتِقْرَارِ الْحُجَّةِ فِيمَا يَقُولُهُ، فَاشْتِرَاطُ ذَاكَ فِي اسْتِقْرَارِ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ وَإِلَّا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَتَذَكَّرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَوْ جُمْلَتُهُمْ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ إِجْمَاعِهِمْ، فَإِنْ جَازَ رُجُوعُهُمْ إِلَيْهِ كَانَ الْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ خَطَأً، وَإِنْ لَمْ يَجُزِ الرُّجُوعُ كَانَ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ مَعَ ظُهُورِ دَلِيلٍ يُنَاقِضُهُ، وَهُوَ أَيْضًا خَطَأٌ وَلَا مَخْلَصَ مِنْهُ إِلَّا بِاشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِهِمْ بِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ وَحُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمُ امْتِنَاعُ كَوْنِ أَقْوَالِهِمْ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِلَّا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَا يَأْتِي، بَلْ رُبَّمَا كَانَ قَبُولُ قَوْلِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَبُولِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَتَكُونُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ التَّنْبِيهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ قَدْ يُقْبَلُ إِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِجَعْلِهِمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَيْهِمْ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
وَعَنِ الْآثَارِ (١) : أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِ الْأُمَّةِ وَإِلَّا قَالَ: رَأْيِي وَرَأْيُ الْأُمَّةِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَرَى جَوَازَ بَيْعِهِنَّ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَمَعَ مُخَالَفَتِهِ فَلَا إِجْمَاعَ، وَقَوْلُ السَّلْمَانِيِّ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِ الْجَمَاعَةِ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ: رَأْيُكَ مَعَ رَأْيِ الْجَمَاعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ: رَأْيُكَ فِي زَمَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِلْفَةِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ، نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ عَلِيٍّ فِي تَطَرُّقِهَا إِلَيْهِ فِي
(١) وَأَيْضًا الِاحْتِجَاجُ بِالْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمْثَالِهَا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ لَا يَتَأَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِمَنِ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَثَلًا دُونَ اعْتِبَارٍ لِرَأْيِ مَنْ بَلَغَ مِنْ تَابِعِيهِمْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِمْ كَالرِّوَايَةِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا عَنْ أَحْمَدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute