للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَمِيعُ جِهَاتِ التَّجَوُّزِ (١) ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْحَدَّ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَجَازِ اللَّفْظِيِّ لَا مُطْلَقًا، وَبِقَوْلِنَا: " الْمُتَوَاضَعُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ أَوِ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا " تَمْيِيزًا لَهُ عَنِ الْحَقِيقَةِ.

وَبِقَوْلِنَا: " لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّعَلُّقِ " لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ ابْتِدَاءَ وَضْعٍ آخَرَ، وَكَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا لَا مَجَازًا.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْحَدِّ غَيْرُ جَامِعٍ ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ التَّجَوُّزُ بِتَخْصِيصِ الِاسْمِ بِبَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ فِي اللُّغَةِ كَتَخْصِيصِ لَفْظِ الدَّابَّةِ بِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، فَإِنَّهُ مَجَازٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا ; لِدُخُولِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فِي الْمَدْلُولِ الْأَصْلِيِّ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا خُرُوجُ التَّجَوُّزِ بِزِيَادَةِ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فَإِنَّهُ مَجَازٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي إِفَادَةِ شَيْءٍ أَصْلًا، وَيَخْرُجُ أَيْضًا مِنْهُ التَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الْأَسَدِ عَنِ الْإِنْسَانِ حَالَةَ قَصْدِ تَعْظِيمِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ تَعْظِيمُهُ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ أَسَدًا لَا بِمُجَرَّدِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْأَسَدِ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ مَا إِذَا جُعِلَ عَلَمًا لَهُ وَمَدْلُولُهُ إِذْ ذَاكَ، لَا بِكَوْنِ غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا، وَتَدَخُلُ (٢) فِيهِ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ كَلَفْظِ الْغَائِطِ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ أَوَّلًا،، وَالْحَقِيقَةُ (٣) مِنْ حَيْثُ هِيَ حَقِيقَةٌ لَا تَكُونُ مَجَازًا.

قُلْنَا: أَمَّا الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ فَمُنْدَفِعٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُطْلَقِ مُخَالِفَةٌ لِحَقِيقَةِ الْمُقَيَّدِ مِنْ حَيْثُ هَمَّا كَذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ لَفْظُ الدَّابَّةِ حَقِيقَةً فِي مُطْلَقِ دَابَّةٍ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الدَّابَّةِ الْمُقَيَّدَةِ عَلَى الْخُصُوصِ يَكُونُ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا.

وَأَمَّا الْكَافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فَلَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً لِلِاسْمِيَّةِ كَوَضْعِهَا فِي اللُّغَةِ وَلَا لِلتَّشْبِيهِ، وَإِلَّا كَانَ مَعْنَاهَا لَيْسَ لِمِثْلِهِ مِثْلٌ " وَهُوَ مِثْلٌ لِمَثِيلِهِ " فَكَانَ تَنَاقُضًا فَكَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً لَا فِيمَا لَهُ فِي اللُّغَةِ أَوَّلًا، فَكَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْحَدِّ.


(١) هِيَ الْعَلَاقَاتُ الَّتِي بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مِنْ تَشْبِيهٍ وَغَيْرِهِ.
(٢) التَّرْدِيدُ بَأَوْ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ أَوَّلًا.
(٣) اعْتِرَاضٌ آخَرُ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَانِعٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>