حَقِيقَةٌ فِي الْوَاحِدِ عَلَى الْبَدَلِ لَا فِي الْوَاحِدِ عَيْنًا، وَالَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَهُوَ مُتَبَادَرٌ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ، وَهُوَ الْوَاحِدُ عَلَى الْبَدَلِ، وَالَّذِي لَمْ يَتَبَادَرْ إِلَى الْفَهْمِ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْمُعَيَّنُ غَيْرُ حَقِيقَةٍ فِيهِ (١) ، وَفِيهِ دِقَّةٌ.
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ اللَّفْظُ مُطَّرِدًا فِي مَدْلُولِهِ مَعَ عَدَمِ وُرُودِ الْمَنْعِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالشَّارِعُ مِنَ الِاطِّرَادِ، وَذَلِكَ كَتَسْمِيَةِ الرَّجُلِ الطَّوِيلِ نَخْلَةً إِذْ هُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِي كُلِّ طَوِيلٍ.
فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ الِاطِّرَادِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّجَوُّزِ، فَإِنَّ اسْمَ السَّخِيِّ حَقِيقَةٌ فِي الْكَرِيمِ، وَالْفَاضِلُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَالِمِ، وَهَذَانِ الْمَدْلُولَانِ مَوْجُودَانِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقَالُ لَهُ سَخِيٌّ وَلَا فَاضِلٌ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الْقَارُورَةِ حَقِيقَةٌ فِي الزُّجَاجَةِ الْمَخْصُوصَةِ لِكَوْنِهَا مَقَرًّا لِلْمَائِعَاتِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجَرَّةِ وَالْكُوزِ، وَلَا يُسَمَّى قَارُورَةً وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الِاطِّرَادَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِجَوَازِ اطِّرَادِ بَعْضِ الْمَجَازَاتِ وَعَدَمِ الِاطِّرَادِ فِي بَعْضِهَا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّعْمِيمُ.
قُلْنَا: أَمَّا الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ، فَقَدِ انْدَفَعَ بِقَوْلِنَا: (إِذَا لَمْ يُوجَدُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ وَلَا لُغَوِيٌّ) وَفِيمَا أَوْرَدَ مِنَ الصُّوَرِ قَدْ وُجِدَ الْمَنْعُ وَلَوْلَاهُ لَكَانَ الِاسْمُ مُطَّرِدًا فِيهَا. وَأَمَّا الثَّانِي، فَإِنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ الِاطِّرَادَ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ، بَلِ الْمُدَّعَى أَنَّ عَدَمَ الِاطِّرَادِ دَلِيلُ الْمَجَازِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ قَدِ اتُّفِقَ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِ الْمُسَمَّى الْمَذْكُورِ، وَجَمْعُهُ مُخَالِفٌ لِجَمْعِ الْمُسَمَّى الْمَذْكُورِ، فَنَعْلَمُ أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ.
وَذَلِكَ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْأَمْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ.
وَعَلَى الْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}
(١) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْمُشْتَرَكِ وَقَعَ مِنْ مَصْدَرٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِمَعْنًى مِنْ مَعْنَيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى الْبَدَلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ جَوَازِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ وَضْعِ قَبَائِلَ، مَثَلًا كُلُّ قَبِيلَةٍ تَضَعُهُ لِمَعْنًى دُونَ عِلْمٍ بِوَضْعِ الْأُخْرَى، وَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ فِي مِثْلِ مَا ذُكِرَ لِوَاحِدٍ عَلَى الْبَدَلِ حَتَّى يَكُونَ حَقِيقَةً فِيهِ مَجَازًا فِي الْمَعْنَيَيْنِ، بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهَا، وَالْإِيهَامُ طَارِئٌ بَعْدَ الْوَضْعِ يَزُولُ بِالْقَرِينَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute